الماكينة الإعلامية السعودية
تسوّق باستمرار بوجود هامش كبير للحرية في السعودية يساعدها في ذلك
التحالفات الإعلامية بين الدول. فمثلاً لا تتحدث قناة الجزيرة عن الأوضاع
في السعودية ولا قناة العربية تتحدث عن ما يجري في قطر إلا ما ندر.
المروّجون لهذه الأكذوبة يستشهدون بما يجري في الساحة الإعلامية السعودية
من حراك نشط، فالسعوديون كل شيء يمكنهم كتابته والحديث عنه في وسائل
الإعلام التقليدية دون وجود رقيب، وهنا نتذكر دعوة رئيس تحرير صحيفة الرياض
تركي السديري لمنظمة مراسلون بلا حدود في عام 2010 لزيارة السعودية لكي
يتعرفوا على الواقع عن قرب بعد أن رأى السديري أن تقرير المنظمة يستهدف
السعودية ولا يقوم على الموضوعية، وذلك بعد أن أصدرت المنظمة تقريرها
السنوي التي وصفت فيه السعودية بأنها “من أعداء الإنترنت و من صيادي حرية
الصحافة” ووضعت المملكة في الترتيب 163 من 175 دولة شملها التقرير. في
الجانب المظلم هناك حقيقة راسخة وهي أن الإعلام السعودي لا يقوم على
الاستقلالية عن السلطة، فالصحف مثلاً تختلف في الطباعة والمسميات و بعضها
يمتلك قليل من الجرأة لكنها تتفق جميعا في أنها صحف خاضعة بشكل رئيس لما
يجب عليها أن تتحدث به و ما لا يجب الحديث عنه.
اعتقال فريق ملعوب علينا (فراس
بقنة، حسام الدريويش، خالد الرشيد) لمدة أسبوعين 17-30/10/2011 لأنه قام
بانتاج فيديو عن الفقر في أحد أحياء الرياض يثبت أننا أمام مشهد أكثر
سوءاً، لأن مشكلة الفقر في السعودية هي حديث الناس والدولة وإن لم تجاهر
بها صراحة باستثناء زيارة الملك عبدالله بن عبد العزيز حينما كان وليًا
للعهد في نوفمبر 2003 لأحد الأحياء الفقيرة، حقيقة الفقر في السعودية
تثبتها الأرقام قبل الكلام؛ فالسعودية تنفق سنويًا أكثر من 20 مليار ريال
لدعم الأفراد المستفيدين من الضمان الاجتماعي والذين يصل عددهم حسب تصريحات
المسؤولين إلى 750 ألف عائلة، أي أننا أمام أكثر من مليوني شخص يستفيدون
من هذه المساعدات. أضف إلى ذلك هناك ما لا يقل عن 400 جمعية خيرية تقوم
بتقديم المساعدات للمحتاجين والحكومة تقدم لهم دعم مالي بأكثر من 300 مليون
فضلاً عن قيام هذه الجمعيات بجمع التبرعات من الأفراد والشركات وتصل
مصروفاتها السنوية إلى أكثر من ثلاثة مليارات ريال سنويا، ونتيجة هذه
المعطيات الواضحة لمعظم الناس سبب اعتقال فريق ملعوب علينا صدمة للمجتمع
السعودي لأنه تحدث عن قضية اجتماعية هي محل اهتمام الجميع ومنهم الدولة؛
ولكن يظهر أن النقد لملف إدارة الفقر في السعودية أصبح من الخطوط الحمراء
الجديدة بحيث يجب على الشعب أن يصمت ويأكل تبن!
في المشهد السياسي شهد عام 2011
اعتقال أكثر من 500 ومنع المئات من السفر بينهم نساء وأطفال وكتّاب
وحقوقيين نتيجة تعبيرهم عن حريتهم باستخدام أساليب مدنية مثل التجمعات
السلمية أو الاعتصامات أو الحديث بصوت عال، تم إطلاق النسبة العظمى منهم
لكن أصل فكرة الاعتقال لأشهر أو لأسابيع أو لأيام في قضية رأي يعكس مستوى
قمع الحريات التي تشهده المملكة، وتغليب الحالة الأمنية في معالجتها
للقضايا الحقوقية.
أما في الحالة الإعلامية فقد أصدرت السلطات السعودية في 15 مارس قراراً بطرد
مراسل شبكة رويترز أولف ليسينج والسبب حسب ما تدعي السلطات قيام المراسل
بكتابة تقرير غير دقيق عن الاحتجاجات في السعودية، هذا السيناريو تكرر مع
مراسلي شبكة البي بي سي؛ فتم التحقيق مع الصحفية التي كانت تغطي تجمعاً
سلمياً في الأحساء وتم مصادرة أشرطة الفيديو من مصور القناة وتوقيع الصحفية
على تعهد بعدم تغطية مثل هذه الأحداث وأن ترجع إلى الرياض، وأخيراً قامت
السلطات السعودية ممثلة بوزارة الإعلام بالتضييق على راديو بي بي سي عندما
زار السعودية في أكتوبر 2011 لعمل لقاءات لـبرنامج اليوم (Today Programme)
فحسب ما كتبه
المراسل الصحفي إدوارد ستورتون “أن فريق العمل قام بإجراء الترتيبات
اللازمة لمقابلة رموز الشيعة البارزين ليحكي لنا عن مآسي ومظالم مجتمعه.
إلا أن وزارة الإعلام لم تسمح لنا بذلك، في المقابل أصر المرافقون لنا في
كل مكان من الحكومة السعودية على مقابلة الشيخ (السيد وجيه الأوجامي) عوضًا
عن ذلك. وقد لعب الشيخ دوره في تلميع صورة الحكومة بكل حماسة واقتناع”
وعندما رجع المراسل إلى الرياض أثار هذه النقطة عندما التقى الناطق الرسمي
بوزارة الداخلية اللواء منصور التركي فأجاب هو من جهته لا توجد لديه مشكلة
بأن يلتقوا بأي أحد!!
و أيضا قامت وزارة الإعلام باقتطاع التقرير
الذي كتبه المدون خالد الناصر لمجلة فوربس العربية عن فيلم مونوبولي
وبالتالي خلت المجلة التي تباع في الأسواق السعودية من هذا التقرير في شهر
أكتوبر 2011 .
في السياق نفسه قامت وزارة
الثقافة والإعلام في بداية عام 2011 بإصدار لائحة النشر الإلكتروني التي
تسعى لفرض الرقابة على ما ينشر بالطرق التقنية المختلفة وإن حاولت الوزارة
أن تضع مادة في اللائحة بالقول أنها لا تراقب، فهي من باب ذر الرماد في
العيون، وهي محاولة تأتي لفرض عملية ترهيب للكتّاب في الفضاء العام بشكل
ضمني. أضف إلى ذلك صدور القرار الملكي بتاريخ 29/4/2011 بتعديل بعض المواد
في نظام المطبوعات والنشر؛ والتي أتت مكملة للنهج العام في محاولة إرعاب
المواطنين بالخطوط الحمراء الكثيرة والعقوبات الشديدة.
وسبق ذلك صدور نظام الجرائم
المعلوماتية في 8/3/1428 الذي يُمّكن القائم على تنفيذ القوانين أن يعاقب
به الأشخاص لوجود مساحة واسعة من الاجتهاد في المفاهيم المذكورة التي لا
ضابطة قانونية لها؛ فمثلاً نجد المادة (6) تنص على أن “يعاقب بالسجن مدة لا
تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال، أو بإحدى
هاتين العقوبتين كل من ينتج ما من شأنه المساس بالنظام العام، أو القيم
الدينية، أو الآداب العامة، أو حرمة الحياة الخاصة، أو إعداده، أو إرساله،
أو تخزينه عن طريق الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي”. في
المقابل نجد المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي
والتعبير بالأمم المتحدة، دعا في التقرير
الذي قدمه إلى لجنة حقوق الانسان في عام 2000 (ص 52) “جميع الحكومات على
ضمان عدم مواصلة فرض عقوبة السجن على جرائم الصحافة إلا في الحالات التي
تنطوي على تعليقات عنصرية أو تمييزية أو تدعو إلى العنف. و في حالة جرائم
من قبل “التشهير” أو “الإهانة” أو “إساءة السمعة” الموجهة إلى رئيس الدولة
أو نشر معلومات “كاذبة” أو “مثيرة للبلبلة” فإن الأحكام بالسجن تستحق الشجب
وغير متناسبة مع الضرر الذي لحق بالضحية. في مثل هذه الحالات يعد السجن
كعقوبة على التعبير عن الرأي انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان”.
لو أردنا تتبع حالات القمع
للحريات على مستوى الممارسة العملية أو على شكل نصوص قانونية لوجدنا أنها
في حالة من التوسع؛ فنجد مثلاً مشروع النظام الجزائي لجرائم الإرهاب
وتمويله والذي ما زال يناقش في مجلس الشورى: تنص المادة (44) على أن “يعاقب
بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات كل من روّج بالقول أو الكتابة بأي طريقة
لأي موضوع مناوئ للتوجهات السياسية للملكة أو أي فكرة تمس الوحدة الوطنية
أو دعا إلى الفتنة وزعزعة الوحدة الوطنية بما في ذلك من استغل أي نشاط
مشروع لهذا الغرض”، مثل هذه المواد القانونية بالإضافة إلى الحالة الدينية
التقليدية التي تحارب الحرية توصلنا إلى نتيجة أن مستقبل الحرية مظلم ونجد
أنفسنا متطابقين مع ما كتبه الدكتور عبد القادر بوعرفة في بحثه الجميل
بعنوان “العرب وسؤال الحرية” عندما أشار إلى “إن السلطة والأنظمة العربية
عن طريق إعلامها وأبواقها قد أدخلت في شعور المواطن العربي كونه مواطنا
وسيداً وحراً وعزيزاً، وفي الوقت نفسه ركبت في ذاته الشعور بالخوف من
النظام. فأيهما أمام العدالة السماوية يعد مجرماً، المفكر الذي يريد أن
يقوي الشعور بالحرية ولو بالتوهم الإيجابي، أم السياسي الذي يريد أن يجعل
من شعبه قطعان ماشية تنقاد لرغباته بالقهر؟”.
نحن الآن أمام مرحلة جديدة في
الحياة السياسية السعودية، فوفاة الأمير سلطان و تولي الأمير نايف ولاية
العهد يجب أن يساعد ذلك على تعزيز قيمة الحرية في مختلف المجالات الفكرية
والسياسية والحقوقية، فاستقرار الوطن يتعرض للخطر عندما يتم تقييد حريات
الناس، فالناس إذا استطاعوا الحديث بحرية أصبح الحاكم لديه القدرة على سماع
الناس وبالتالي يكون فعل الحاكم انعكاسًا لتطلعات الناس وطموحهم وتزداد
علاقة المحبة بين الحاكم والمحكوم، فجميع المواطنين محبين لوطنهم ونقدهم
لما يجري ليس لتأليب الرأي العام أو التحريض بل هو دليل على وعيهم ورغبتهم
بإصلاح الأوضاع الحالية إلى الأفضل، فـ “محاولة بعض الدول الحفاظ على
الاستقرار من خلال الإكراه أو شبكات المحسوبية سيؤدي إلى ارتفاع مستويات
الفساد والمزيد من انتهاكات حقوق الإنسان في بعض الدول يزيد مخاطر انفجار
العنف مستقبلاً” هذه إحدى النتائج التي توصل لها التقرير الذي صدر حديثا من
البنك الدولي عن التنمية في العالم لعام 2011 وتناول موضوعات الصراع
والأمن والتنمية.
المعطيات السابقة تجعلنا نتمسك
بالحرية كعمود أساس لاستقرار الوطن ومن دون الحرية سنبقى في وطن يغلي ونفوس
الناس تزداد احتقاناً مع مرور الأيام وهذا بالتأكيد مدعاة لدق ناقوس الخطر
وهو ما يدعونا إلى تغيير النمط الأمني في معالجة مسألة الحرية إلى رحاب
أوسع من قبول التعددية الفكرية لنصنع مجتمعاً حراً مبدعاً لديه القدرة على
حل مشاكله دون اللجوء إلى أساليب القرون الوسطى ونحن نعيش في القرن الواحد و
العشرين.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire