mardi 26 avril 2016

تصحيح الفكر الدينى



Ma photo

الكتاب صورة نقديه وتصحيحيه لبعض المعتقدات التى تودى بريح الأمة
الفصل الحادى عشر: بيان للمسلم للتعرّف على أهل النفاق وأهل الشرك
بيان للمسلم للتعرّف على أهل النفاق وأهل الشرك
قد يتصور الكثير من المسلمين أن الإيمان لا يداخله شرك وهو الأمر المخالف لصريح القرءآن فقد يجتمع مع الإيمان شرك فى قلب العبد وذلك لقوله تعالى ({وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ }يوسف106 لكن قد تكون كلمة الشرك المصاحب للإيمان غير واضحة فى ذهن المسلم وسوف نتولى البحث عن تعريف الإشراك بالله وتعريف النفاق العملي وهو ما يمكن ان نوجزه فيما يلى:-

النفاق
النفاق نوعان نفاق في العقيدة ونفاق في العمل أما نفاق العقيدة فهو إظهار الاسلإم وإخفاء حقيقة الكفر التي يكون عليها المنافق فهو بذلك ينافق أهل الإسلام ويصوّر لهم أنه مسلم مثلهم بينما هو فى حقيقته كافر بالله.
أما نفاق العمل وهو كثير، وهو النفاق المصاحب للإسلام فالمرء يكون مسلما ولكنه لم يتهذّب بأخلاق القرءآن فيصاب إيمانه بشرك في العمل وأحيانا يميل فينقلب ليكون نفاق عقيدة والعياذ بالله.
ونظرا لما يهتم به بعض أهل الإسلام من الأحاديث دون القرءآن ،فإنك تجد أكثر الناس إذا ما سألتهم عن النفاق فانه يدلى بدلوه فى حديثين أو ثلاثة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم بشأن صفات المنافق ، فكثير منا من يعتمد على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفات المنافق حيث قال عليه الصلاة والسلام:ـ
( أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا حدّث كذب وإذا ائتمن خانإذا عاهد غدر– وإذا خاصم فجر) رواه البخاري ـ وحديث آخر يقول فيه الرواة ( آية المنافق ثلاث ......الخ ) وهى أحاديث صحيحة لا تقبل الجدل
ولكن حرى بالمسلم التعرف على باقي صفات المنافق التي عنى بها كتاب الله حيث اهتم بها وأفرد لها الآيات محذّرا من هذا المنقلب فمن هذه الصفات الأخرى ما يلى:-
أوّلا:ـ علامات النفاق
1- موالاة أهل الكفر .
2- طلب العزّة عند أهل الكفر ( والكافر هنا هو من لا يؤمن برسولية محمد صلى الله عليه وسلم ولا بالقرءآن ) والله تعالى يقول فى هذا الصنف من المنافقين:- {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً *الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً }النساء139&138 .
إن تصوّر هؤلاء فى الولاية والعزّه جعلهم يركنون إلى الذين ظلموا تصورا منهم واعتقاد بأنّ الكافرين سينصرونهم وسيجعلونهم الأعزّة، وظنوا أنهم بهذا يأخذون بالأسباب، والحقيقة أنها أسباب الهوى والهوان الذي يهوى بصاحبه في دركات العذاب الأليم الذي بشّرهم الله به فى الآية.
3ـ الإفساد باسم الإصلاح .
4ـ عدم شعور المنافق بأنه يفسد باسم الإصلاح.
والصفتان الثالثة والرابعة مستمدتان من قوله تعالى فى صفات المنافق
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ*أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ }البقرة12 &11 ـ فمصيبتهم تكمن فيما أذلّهم الله به من قناعة بأنهم يصلحون بينما هم في حقيقتهم يفسدون باسم الإصلاح وفي ذات الوقت هم لا يشعرون بذلك وتلك هي الطامة الكبرى .
فإن الذين لا يخلصون لله يتعذّر أن يشعروا بفساد أعمالهم لأن ميزان الخير والشر والصلاح والفساد يتأرجح في نفوسهم تبعا للأهواء الذاتية وليس له قاعدة من دين الله .
كما أنهم يفسدون – لا – بل يتبجحوا ويجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آيات الله وتعاليم رسوله هزوا وغرّتهم الحياة الدنيا وزخرفها وأصبح لهم منطق مجادلة فى تعاليم الدين فى الوقت الذي هم بعيدون فيه عن الدين.
5ـ السخرية من الملتزمين و ( أصحاب العمائم )
6ـ الجهل بشريعة الله
· المطففين. المنافق الجهل والسخرية من المتدينين ووصمهم بصفات لا يرضاها لنفسه بل يظن نفسه أعلى مرتبة من أهل الاستقامة، وما ذلك إلا من فرط الجهل بشريعة الله لأنه إن علم أفاده علمه، والعلم هنا يعنى علوم القرءان، لذلك لا عذر لمن جهل عمدا ولم يرتوي بالعلم حين يسخر من الذين يعلمون، وحقا قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ{29} وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ{30} وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ{31} وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ{32} وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ{33} فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ{34} عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ{35} هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ{36}......المطففين .
· ويقول تعالى {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون }التوبة127
فما أشبه ما أورده القرءآن بما يحدث فى محافل الواقع من الذين يتهرّبون من مجالس القرءآن لكن العزاء أن الدنيا ساعة وإن طالت سنواتها.
7ـ المنافق ذو الوجهين
وهى إحدى صفات النفاق الواردة فى كتاب الله حيث يقول تعالى:-
(وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ{14} اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)15 البقرة .
فها هم بمنطقهم المريض يصارعون الحق ويواجهونه بالمداهنة ،فإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا، ولكن تغلب عليهم شقوتهم بمجرد أن يجدوا أصحاب الفسق من أمثالهم ،فينطلقون متبرّئين من أهل الالتزام ومن المشايخ والعلماء ويعلنوا أنهم من أهل الفسق إعلانا بلا مواربة ؛ وهنا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (...... وتجدون شر الناس ذي الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه ) رواة مالك والبخاري ومسلم.
8ـ التكاسل في أداء الصلاة
9ـ العمل من أجل الرياء والسمعة
10ـ قلّة ذكر الله
والصفات الثلاثة السابقة مستمدة من قوله تعالى عنهم {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً }النساء142 0
فكم من النماذج تشاهدها يوميا من أناس يصلّون للرياء والسمعة وإذا لم يكن هناك محفل للرياء فهم يقومون لها متكاسلين متخاذلين كأنما يساقون إلى الموت، وقد تفلت منهم صلاة أو صلوات كنتيجة حتمية لهذا التخاذل لكن لا يتحرك لهم جفن ولا يستيقظ لهم ضمير وتراهم دوما يرفعون عقيرتهم بقولهم ( إن الله غفور رحيم ) وكأن رحمة الله جعلت لأهل المعاصي والنفاق فقط .
فعلى المسلم استبانة سبيل المجرمين من المنافقين حتى لا يقع فريسة للإشراك بالله بينما هو يعلن الإسلام ،و ليس بالمسلم من أعلن الإسلام وليس في سلوكياته شروى نقير منه ،والمنافق صاحب قلب مريض وهو إن لم يدرك حقيقة مرضه وعلّته فسوف ينقلب عليه مرضه فيخرجه من دائرة نفاق السلوك إلى دائرة نفاق العقيدة ثم يختم له بسوء والعياذ بالله ؛لذلك فان من رأى فى نفسه ميلا لإحدى الصفات السلوكية للمنافق فعليه بالمبادرة بالتخلّص منها خشيه مما هو بعدها من المصائب ولينصح عشيرته الأقربين ويحذرهم من نفاق العمل الذي يستدرج أصحابه إلى هاوية مالها من قرار .
ثانيا:ـ عدم الانتباه لما يقع فيه المسلم من الإشراك بالله
لطالما كان الإنسان حريصا لما أهمّه في حياته ـ وإنّ الدّين وسلوكيات الحياة الواقعة تحت بند الحرام أو العقيدة من الأهميّة بمكان بحيث يجب أن يكون محور اهتمام العبد الذي يرغب في مراضاة مولاه، وأخصّ ما يكون الاهتمام يكون في العقائد إذ أنّ تمحور المسلم حول اعتقادات السّابقين دون فكر منه قد يودى به مورد التّهلكة وينتهي به المطاف أن يلقى الله وقد داخل إيمانه شرك بالله .
ولعلّ بعض ما سردناه في الكتاب الماثل صورة عن بعض تلك المعتقدات التي تورد مورد التّهلكة ـ فقد يكون لابتداع أحقيّة لرسول الله في تشريع حدود عقابية على بعض المعاصي خاصة تلك العقوبات التي تخالف ما ورد في كتاب الله مع الاعتقاد في كونه يعلم من سيدخل الجنّة ....كلّ ذلك إشراكا صريحا لرسول الله مع الله.
وقد تودي بعض المفاهيم التي يرتادها النّاس منذ مئات السّنين عن فقر رسول الله إلى ما قبل العدم ،وأمّيته حتّى بعد نزول القرءآن عليه،مع ما يتصوّرونه من مراجعته لله بنصائح نبيّ الله موسى عليه السّلام مع استجابة الله لتلك المراجعة المبنيّة على عدم مقدرة النّاس على تنفيذ ما كلّفهم الله به ـ قد تكون تلك المفاهيم من أخصّ خصائص إنكار الحقيقة القرءآنية وجحد آيات كتاب الله لحساب مرويّات بشريّة.
وقد يكون في بعض القصص الذي يتعاطاه مرتادي حانات الجمود الفكري عن عدل عمر(في قصّة رحلته إلى بيت المقدس) أو خشيته من الله (حتّى أن دموعه حفرت مجارى سوداء على كلتا وجنتيه) وما يتناولونه عن قصّة ذلك خشوع ذلك الرجل الذي قطعوا رجله أثناء صلاته بناء على طلبه حتّى لا يشعر بألم البتر بدعوى تقديم صورة سحرية عن الخشوع ....وحدّث ولا حرج عمّا يتناولونه من انسحاب جيش الأعداء حين خشي على جنوده أن تأكلهم عسكر الإسلام حين ظنّوا أن المسلمين يسنّون أسنانهم ليأكلوا أعدائهم بينما كان المسلمون يستاكون بالسواك وذلك لتبيان فضل السّواك....وغير ذلك من قصصهم الزّائف الذي يروّجون به لنوع من الإسلام ما أنزله الله على رسوله فى الوقت الذي يتركون فيه أحسن القصص الوارد فى كتاب الله ورغم ما فى قصصهم الزّائف من ضرر على الإسلام وعقيدة أهله وفكرهم ـ بل أؤكد خطر هذا القصص وتلك المعتقدات على عقيدة المسلمين.
وإن الإشراك بالله لا ينحصر فى عبادة صنم، ولكن الإشراك بالله له صور عديدة ومن صورها ما يمكن أن يظهر فيما يصيب العاصي من استدامة المعاصي والاستهانة بها ،وتحقيقه لمهمة إبليس فى داخله وعدم ارتواء هواه من شراب الإيمان الخالص الذي أورده الله فى كتابه ، وحبه لانعدام الالتزام فمثل هذه الشّخصيات يخشى عليها من أن يختم لها بسوء والله تعالى يقول فيمن يتوكل على رحمة الله وهو مقيم على معصيته فى استدامة ،{يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً }مريم45 ـ فويل للذين يستهينون بالمعاصي ويقيمون لها البهجة والسرور، وسوف يرون أعمالهم يوم القيامة تسعى بين أيديهم ومن وراء ظهورهم {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ }آل عمران30 فلن ينفعهم الانتباه لما لفظوه وراء ظهورهم في حياتهم الدّنيا من نصيحة النّاصحين حين ينطبق عليهم قول المولى عزّ وجلّ({هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ }الأنعام158 .
posted by تصحيح الفكر الدينى @ 6:35 PM   0 comments https://img2.blogblog.com/img/icon18_email.gif
الفصل العاشر: صورة دعوة إلى الله غير مرغوب فيها
صورة دعوة إلى الله غير مرغوب فيها

لقد اتخذ بعض الدعاة منهاجا في اللّين يتصورونه منبثقا من قوله تعالى ({ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125 – ولست أدرى ما علاقة الموعظة الحسنة أو الحكمة بما هم عليه من لين زائد حتى انك إذا ما رأيت واعظا آخر ينذر الناس بعظائم الأمور فإنهم يبادرونه أيضا بذات الآية ويقولون له ({ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125ـ وكأن الحكمة والموعظة الحسنة هي اللّين.....وهكذا أصبح مفهوم الآية.
لقد سبق أن بينا ما تعنيه كلمه حكمة وإنها تعنى الرشاد فى الأمور، أما عن الموعظة الحسنة فليست هناك موعظة حسنة أفضل من كتاب الله، وهو كتاب فيه نذارة وفيه بشارة، بل لقد خصص الله عز وجل أهل الإسلام بالإنذار فقال تعالى ({إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ }11يس
بينما على الجانب الآخر – جانب أهل الكفر يقول تعالى عنهم ({وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }يس10 ـ ويقول تعالى ({قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ }الأنبياء45
ولا يعنى ذلك ترك إنذار أهل الكفر لكن دوما تكون النتيجة فيه ترجى للمؤمن أكثر مما ترجى للكافر ، والتبشير أيضا من الموعظة الحسنة ، لكن على الداعي إلى الله ان يعلم شاكلة من يدعوهم فإن كانوا من أهل استدامة المعصية الذين يهتمّون بتكريس حديث ( كل بن آدم خطّاء) في حياتهم فهؤلاء تفسدهم البشارة وهم غالبية أهل الاسلإم فى هذا العصر ،فالتبشير والنذارة جناحا الدعوة..... والداعي إلى الله يميل إلى جانب الجناح الذي يصلح الناس وفق طبيعة الناس.
إن الدّعوة إلى الله قبل أن تكون نبراسها الموعظة الحسنة فلابد لها من الحكمة أولا ؛فليكن الداعي إلى الله حكيما بأهل زمانه وليعلم أنهم يصطادون من كلماته ما يشفى صدورهم المريضة من كلمات يقولها الداعي عن المغفرة وعن الرحمات والجنات ويتركون ما عدا ذلك من كلامه، كذا يتركون ما أراده هو بين ثنايا الكلام أو خلف سياج ما ظنّ انه الموعظة الحسنة .
ان توضيح الرؤيا بحدود ملموسة للكافة هي مهمة الداعي، وليست مهمته فى الدعوة مهمة سياسية يجاهد فيها ليرضى الأذواق، إن الله سبحانه وتعالى أمرنا بأن نستبين سبيل المجرمين وذلك من قوله تعالى ({وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ }الأنعام55 ـ كما أمرنا بعدم اتباع خطوات الشيطان أى الطريق الذي يؤدى إلى أهداف إبليس فى إقعاد صراط الله المستقيم للناس وذلك من قولة تعالى ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }النور21 .
ويأمرنا المولى عز وجل بأن نتخذ الشيطان عدوا وذلك من قولة ({إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ }فاطر6 فأنّى للمسلم أن يستطيع في ظل كل هذا التمييع في المفاصلة بين الحق والباطل وبين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان في ظل ما تصوّر البعض انه الموعظة الحسنة، وأين نحن من قول المولى عز وجل ({يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً }مريم12، أم أن الأمر بأخذ الكتاب بقوّة كان ليحيى فقط كما تصور البعض؟؟ وأين نحن من قول المولى عز وجل ({وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة63 ـ أم أن هذا كان لبنى إسرائيل فقط كما فهم آخرون.
أما المسلمون فهم يأخذون كتابهم وشريعتهم برخاوة ونداوة وطراوة يحسدها عليهم ملمس الحرير ورذاذ الماء العذب ولست أدرى لماذا لا تلتزم المذيعات الحجاب فى برامج الدين ومع رجال الدين بالذّات كما يلتزم مرتادوا الأوبرا لباس بدلة السهرة في دار الأوبرا ؟؟ ولماذا تنتشر بين المحجبات منهن رذيلة وضع الاصباغ والمساحيق حتى صار أمر وضع المساحيق من مقتنيات المرأة دون خجل من الآية الكريمة التي تأمرهن بعدم إبداء الزينة إلا للمحارم .
ان السبب الرئيسي وراء انتشار رذيلة الغناء بين الشباب .....وكثرة الفنانين والفنانات والراسبون فى الشريعة .... وكثرة اللاهيين واللاهيات..... ورذائل أخرى كثيرة ، وتدافع أمواج الجهل المتقاطر من البشر التي تدفعها أرحام أسرة المستقبل إنما يكمن فى غموض المفاصلة بين الحق والباطل وبين منهاج أولياء الرحمن وأولياء الشيطان واليك برهانا على ذلك فيما يلي:ـ
* انك إن أحصيت عدد المرتادين للحانات والمقاهي والنواصي ودور اللهو وتمضية أوقات الفراغ وعددت على الجانب الآخر عدد المرتادين للمساجد فى ذات الحي عن ذات اليوم ستجد النسبة مخزية لمن أراد الرفعة لدين الله ، ثم نجد بعد ذلك من يقول ان الدين بخير والإسلام هنا ( سواء كانت كلمة هنا هذه مصر أم السعودية أم قطر أم سوريا أم السودان أم غيرهم ) فالجميع يحصر الحق فى فئته وقومه والجميع يريدون أن يغمطوا الحق فكما غمطوه في الشريعة فهم يغمطونه في البيان.
ويقول أحد أفاضل الدعاة يجب أن تبدأ كل دعوة إسلامية بتحديد سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين مع التعريف الدقيق لكل من السبيلين مع وضع العنوان المميز للمؤمنين والعنوان المميز للمجرمين فى عالم الواقع لا فى عالم النظريات حتى يعرف الناس من هم المؤمنون ومن هم المجرمون بعد تحديد منهج كل فئة.
إن اشق ما يعانيه المسلم وخاصة الشباب الغبش والغموض واللبس الذي أحاط بمدلول لا إله إلا الله بل انى لا أكون مجحفا ان ذكرت ان الناس لا تتصور فى سورة الصمد:( قل هو الله احد الله الصمد .......الخ ) إلا أن الله واحد بمعنى العدد واحد وأن الله لم يلد ولم يولد فقط ـ ففقدوا بهذا المعنى ومع وجود الدّعاة فيهم معنى العلم بلا اله إلا الله بل تراهم يعرفون تفصيلات جميع أركان الإسلام ( الصلاة – الصوم – الزكاة – الحج) لكنهم لا يعلمون أبدا تفصيلات واجباتهم عن لا اله إلا الله التي هي الركن الأول في الإسلام .
إن الدعوة إلى الله يجب ان ترسم الحدود الفاصلة فى استبانة سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين، وإن تمييع هذه المفاصلة يدفع أعداء الاسلإم إلى توسيع ثغرة الغبش والغموض ومنطقة الحدود الآمنة بين ما هو حلال وبين ما هو حرام فيما يسمى المباح فكان من نتاج ذلك أن كثر أهل الحانات والمولات وإضاعة الوقت فى مقاهي الانترنت بدعوى المباح ثم تطور الأمر حتى هجر الناس المساجد حتى فى أيام الجمع حيث يحضرون إلى المساجد ذرّا للرماد في عيون أهل الالتزام ،لذلك فإن تحديد ملامح كل فئة قد يجعل الناس تستحي المعصية كما كانت قبل سنوات ،وان الله عز وجل أمرنا باستبيان سبيل المجرمين حيث يقول {وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ }الأنعام55 ....كما وان قاعدة الحكم على الناس لا يجب ان تكون قاعدة عامة تكمن فيما يقولونه أن كتاب الله هو الحكم بين الناس فإنك لن تجد فى كتاب الله شيئا عن تسكّع الشباب والشابات في الأسواق أياما وساعات من أجل شراء حذاء ومع ما يصاحب ذلك من رذائل للمجتمع.
فيجب أن يتصدى الدعاة للمصطلحات المتقلبة للمجتمع فإن المجتمع ومقوماته المادية أو الاجتماعية لا تعنى أبدا تغيّر قيمه وأحكامه ولا تعنى تمييع المفاصلة بين ما هو حق وما هو باطل تحت مسمى الحكمة والموعظة الحسنة،
ان كلال البصر والبصيرة عن رؤية واقع الناس وقيام بعض الدعاة بترك قيادهم لأجهزة سياسية أو تنفيذية أو غير ذلك أفسد المجتمع وأضاع القيم ، لقد صنع هؤلاء الدعاة الصمم والعمى لدى المسلمين بتبنيهم قضايا دعوية لا تنفع الناس فى حياتهم وإن اهتمام الدعاة بقصص غير موثق عن أبي ذر وعمر بن الخطاب وغيرهم أفقد المسلمين حاسة المذاق فى واقع الحياة التي يعيشونها وأضاع منهم وضوح الصورة التي يجب على المسلم تطبيقها.
إن الذين يدّعون العلم الشرعي دون ان تتكيف قلوبهم به يخرجون على الناس برذاذ قديم يملّ الناس سماعه، إن على هؤلاء الدّعاة أن يفهموا أن لكل زمان شفره تصلح للدخول على عقل أهل الزمان، فقصص الماضي ورجال الماضي شفره تصلح لرجال الماضي ويمل أهل الحاضر من ترديدها والدخول عليها بل ويتصورون أن هؤلاء الصحابة بشر مخصوص لزمان مخصوص، إن في كتاب الله مع ما فيه من أحسن القصص ومع وجود قلب يحسن التدبر فانه يستخرج منه كنوزا تصلح للدخول على شفره كل عصر.
إن محاولة بعض الدّعاة تمييع الماضي مع الحاضر والذين يريدون تمييع المفاصلة بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان تحت دعوى الحكمة والموعظة الحسنة أو تحت مسمّى تطوير الخطاب الديني هي محاولة فاشلة بكل المقاييس وتفتقر إلى العلم في مخاطبة العقول بل إن هذا المنهج قد أثمر شبابا بالآلاف يتسكعون كل ليلة ويتسكعون أمام معاهدهم العلمية وأمام الناس جميعا لأنهم غير قانعين بما يقدّم لهم من صور الأمس التي لا تتناسب مع العصر الذي يعيشون فيه .
posted by تصحيح الفكر الدينى @ 6:32 PM   0 comments https://img2.blogblog.com/img/icon18_email.gif
الفصل التاسع: الأوبة والإنابة
الأوبة والإنابة
ولابدّ للمسلم ان يجرّب الأوبة والإنابة إلى الله في كل حياته، وسوف نبدأ بالأوبة شرحا وتفصيلا:ـ *حيث يقول تعالى فى شأن نبيه داود (... وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ }ص17
*وفى شأن نبيّه سليمان " {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ }ص30 وفى شأن أيوب(.... إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ }ص44
*وفى شان المتّقين {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ }ق32
*ويقول تعالى فى شان الصّالحين {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً }الإسراء25
فالأوبة هي العودة وكلمه ( أوّاب ) تعني المسارعة فى الرجوع إلى الله، والتوبة من حسن خلق العبد مع ربه، فأهل الإيمان والصّالحين دوما ما تراهم أوّابين بمعني رجّاعين لله فى كل أمورهم، وهم حينما يسارعون فى الخيرات إنما يسارعون فيها لتحققهم من سرعة ومباغته فقدان الحياة ولأنّهم يطلبون بهذه الأوبة السريعة رضي الله.
أمّا الإنابة فيقول الله فى شأنها
*عن إبراهيم عليه السلام {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ }هود75
*ويقول تعالى آمرا الناس {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ }الزمر54
*ويقول تعالى مرغّبا النّاس فى الإنابة (......اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ }الشورى13
*ويقول تعالى عن نبيه شعيب ( ..... وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }هود88
*ويقول تعالى فى كتابه الكريم {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }الشورى10
*ويأمر الله أهل الإسلام فيقول {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ }الروم31
والإنابة تعني إنابة القلب وانجذاب دواعيه لمراضاة الله تعالى مع حمل البدن على ما في القلب من صلاح، مع الإعراض عمّا سوي الله.
وجماع الأمر على أن الإنابة أعلى درجة من الأوبة، ولابد منهما للعبد خاصة حين يمارس حياته العادية ومنها الاحتفال بأعياد الميلاد فتكون كلّها خالصة لتذكّر آلاء الله ونعمه وشكره على نعمة الحياة والتّكريم البشرى، ثمّ يأتي بعدها الأدوار الأخرى التي أراها جميعا ثانوية ولكننا برعنا في فقه انعدام الأولويّات.
فالمطلوب من المسلم أن يجعل يوم الميلاد يوم أوبة وإنابة إلى الله ولا يجعله يوم لهو وحلوى، فإنّ العاصين حينما يقومون بالاحتفال بيوم مولدهم إنّما يؤكّدون ظلمة عقولهم عن تدبّر حقيقة الأمور، إذ يكون مولدهم وحياتهم سببا لشقائهم الأبدي أو شقائهم الوقتي في جهنّم لكثرة معاصيهم بينما هم يحتفلون به .
أمّا أصحاب الحقيقة والحق فهنيئا لهم احتفالهم بيوم مولدهم واحتفالهم بذكرى يوم ميلاد نبيّهم ،وهنيئا لهم حين شروق الشّمس وحين غروبها ،وهنيئا لهم يوم ولدوا ويوم يموتوا ويوم يبعثون أحياء.
دعوه لزيارة يومية مجّانية للرسول الأعظم
لقد سيطرت الماديات على الروحانيات واتخذت تلك السيطرة أشكالا عدّيدة، ومن هذه الأشكال السيطرة المادية فى الإطار الديني، فلطالما دأب أهل الإسلام على حبّ زيارة النبي محمد صلى الله عليه وسلّم بالمدينة المنوّرة، فإذا ما وصلوا هناك فهم يأخذون فى السلام عليه والدعاء له والصلاة عليه، حتى إذا ما انتهت رحلتهم الميمونة قلّ منهم من يسلّم على رسول الله بل وقلّ أكثر من يدعون ويصلّون على النبي، وكأن المكان المادي هو شغلهم الشاغل.
إن تصوّر أهل الإسلام أن زيارة الرسول لا تكون إلا بشدّ الرحال إلى المدينة المنوّرة هو تصورا ماديا بالدرجة الأولى، لذلك فإنهم حين يعودون من رحلتهم تنتابهم حالة الفقر الروحي التي كانوا عليها قبل أن يرحلوا، ولست أدرى ألا يعلم هؤلاء أنّ رسول الله فى عالم آخر غير عالمنا الذي نحن فيه؟؟ وهو عالم له قوانينه الخاصة به وهى غير تلك القوانين الفلكية والزمنية التي نعيش فيها، فمرور الوقت هناك غير مروره هنا والمسافات ليست بأمر هام ولا شاق هناك... {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ }الحج47. ـ وأضرب لذلك مثلا عن رائد الفضاء الذي هبط على سطح القمر والذي كان يدعى (نيل أرمسترونج) إذ أنه إن نظر من عليائه القمري إلى كوكب الأرض فهل ستراه يحمل همّ المسافة بين نيويورك ولندن؟؟ لا شكّ أنّ الأمر غير ذي بال بالنسبة له بينما يكون ذات الأمر ذا بال بالنسبة له إن كان على الأرض.
فكذلك لا بدّ لأهل الإسلام أن يعلموا أنّ العالم الآخر الذي يعيش فيه رسول الله عالم لا يهمه إن كان الزائر لرسول الله فى المدينة المنوّرة أم فى الجزائر أو دمشق ـ والذين يمرّون على المقابر ويقولون السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين لا يقولونها لموجودين داخل تلك الأماكن، ولا بدّ للمسلم أن يعيش كتاب الله القائل (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال ربّ ارجعون لعلّى أعمل صالحا فيما تركت *كلا إنها كلمة هو قائلها ومن وراءهم برزخ إلى يوم يبعثون) 99&100 المؤمنون ـ فأين البرزخ الفاصل بين الأحياء والأموات فى ذهن من لا يتصوّرإلا الأماكن والماديات؟؟؟ وهل موتى هذا المكان موجودين فى ذات المكان وموتى الدولة الأخرى فى الدولة الأخرى ؟؟ إن هذا فقدان للمعاني القرءآنية بعدم تدبّركتاب الله، فإذا ما أضاف المسلم لعلمه أن لرسول الله خصائص فى مماته كما كانت له خصائص فى حياته، لعلمت أيها المسلم أنه يمكنك زيارة رسول الله يوميا والسلام عليه من مكانك الذي أنت فيه بلا ترحال ولا مشقّة، المهم هو حضور الرسول فى قلبك، ولتسأل نفسك هل غاب رسول الله عنّى وسكن بالمدينة المنوّرة ؟؟؟أم أنه موجود فى نفسك بل وترك لك رسالة مادية وهى المصحف الذي تركت تلاوته أو تتناوله بالقراءة كلّ عام مرة واحدة فقط فى شهر رمضان، وهى رسالة مقدّسة إن كنت ممن هم مولعون بالتقديس المادي.
ولقد تعلّم الناس المادية أيضا من خلال ذكر الله ـ رغم أنّ ذكره سبحانه وتعالى أمرا روحيا بالدرجة الأولى ـ فأقاموا ما يسمّونه حضرة لذكر الله حتّى إذا ماانصرفوا عن الحضرة بعد انتهاء وقتها انصرفت قلوبهم.
لكنّ الله عزّ وجلّ أراد لنا الحضرة الدائمة معه، وأراد لنا الحضرة الدائمة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وما علينا إلاّ أن نتأمل قوله نعالي:ـ
(........الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكّرون فى خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار)191 آل عمران
وعن زالبقرة.ل الله والدعاء له والصلاة عليه يقول تعالى( إن الله وملائكته يصلّون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليما)56 الأحزاب فكلما صلّى العبد وسلّم على رسول الله كلما كان العبد أقرب إلى الله ، كما وان الله يذكر من يذكره وبالتالي يمكنك أن تكون دوما مع الله إذا ما تدبّرت قوله تعالى(فاذكروني أذكركم ...)152 البقرة .
ولست هنا للترويج لمنهج جديد ولكنى للترويج للمنهج الذي كان عليه سيد الخلائق الذي كان خلقه القرءآن ولم تكن الماديات من اهتماماته ولكن جاء ليسمو بالنفس البشرية ويزكّيها ويعلّمها الكتاب والحكمة بعد أن يزكّيها.
ولقد رأيت الناس يهرعون لأداء صلاة كسوف الشمس حين كسفت كسوفا كليا يوم الأربعاء 29/3/2006 وأظلمت السماء فى وقت الظهيرة وبدت الكواكب فى السماء وكأننا فى منتصف الليل ورأى ذلك كلّ الناس فى مدينة السلّوم وغيرها من المدن فى الأقطار الأخرى، لكن هؤلاء الذين صلّوا من أجل الكسوف باعتباره آية من آيات الله (وهى سنّة مؤكدة) ذهلوا تماما عن أنهم محاطين بآيات الله ليلا ونهارا دون أن يأبهوا بتلك الآيات وما ذلك إلا لاضمحلال المشاعر الروحية لديهم فلم يعودوا يحفلون إلاّ بالجديد والغريب.
فالليل والنهار من آيات الله حيث يقول تعالى (ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر.....الخ الآية)37 فصّلت
كما وأنّ النوم من آيات الله حيث يقول تعالى (ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله..)23الروم
والآيات كثيرة لكن الله يريد منا ألآّ ننظر ببلاهة إلى تلك الآيات ،كما لا يريد منا أن نفعل كما يفعل البعض فى الدول الأخرى من النظر إليها من منظور سياحي ،لكن الله أمرنا بتدبّر تلك الظواهر وتسبيح الله حين نشاهدها حيث يقول تعالى ( فسبّح بحمد ربّك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل وأطراف النهار لعلّك ترضى)130 طه ـ ويقول ( وسبّح بالعشيى والإبكار)41 آل عمران ـ ويقول تعالى ( ومن الليل فسبّحه وإدبار النجوم)49 الطور ـ ويقول ( وسبّحوه بكرة وأصيلا)42 الأحزاب.
فالمتأمّل يجد ارتباطا وثيقا يريد الله منّا أن نرتبط به فى ذكره وتسبيحه ألا وهو آيات الله الكونية المنظورة فى النفس وفى الآفاق ،وهو بذلك يريد للمسلم منهاجا علميا وروحيا يتفاعل مع الكون ، فالذين ذهبوا لأداء صلاة الكسوف تمنهجوا بمنهج التقليد بدون أن يقفوا على الهدف ، ولو كانوا وقفوا عليه لسبحوا وصلّوا مع كل ذرّة فى الكون وكلّ حركة فيه إبان ليل أو نهار حين يشاهدون فى حضرتهم الدائمة عظمة قدرة الله فى تحوّل النهار ليكون ليلا وفى خلود الجسد إلى النوم وفى خلق السماوات والأرض ....الخ ،فتلكم هي الحضرة الحقيقية فى كون الله المشهود الذي ذهل عنه النّاس وراحوا يتلمّسون الذّكر والتسبيح فى أماكن أو مع أحداث ليست فى متناول يدهم لكنّهم يجاهدون ليصلوا إلى تلك الأماكن سواء أكانت مدينة رسول الله أم مكان الحضرة، فهم يتكلّفون بينما لم يكلّفهم الله ولا فى دينهم ذلك التكلّف ،لذلك تجد كثيرا منهم وقد دبّ فيه مرض الرياء فهذا لأنه يحج كلّ عام وذاك لأنه يعتمر فى كلّ شهر رمضان من كلّ عام وذاك لأنّ معه مفاتيح المسجد وأصبحت هذه العناصر وغيرها من مفاخرهم .
إنني لا أعيب على أهل الحضرة ما هم فيه من حضرة ولكن أعيب عليهم انزوائهم خلف الحضرة لذكر الله أو استمرارهم فى حضرة يوم الخميس مثلا بينما المفترض فيهم أنهم فى حضرة فى كل ساعة من ساعات الأسبوع لكنّهم ذاهلين عن الحقيقة الربّانية فى الكون.
إنّ زيارة رسول الله فى متناول يديك فأقبل على زيارته الآن وقم بالسلام على سيدك ونبيّك ولا تنتظر لتكلّف نفسك مالم يكلّفك به الله ولا تطيقه النّاس.
إنّ الكعبة الصّماء رمز للخضوع لأمر الله فهي من الروحانيّات ، والصلاة فيها قد تكون بمائة ألف صلاة كما أخبر بذلك الصّادق صلّى الله عليه وسلّم ، لكن ليس فى الإسلام ما يمنع أن تكون صلاتك فى بيتك (فى غير الفريضة)بمائة ألف صلاة أو يزيد ، فإن أحدنا لا يدرى أين تكون البركة ومتى يكون القبول ،فإنّ قبول الأعمال لا ينحصر فى مكّة ولا فى المدينة المنورة إنما ينحصر فى الإخلاص وهو من أعمال الروحانيات التي عزّت فى أيامنا هذه، لقد جعل الله الأرض كلّها مسجدا وترابها طهورا فلا يهم أيّة بقعة تلك التي يمسّها جبينك لكن المهم أن يمسّ الإيمان شغاف القلب فيخلص العبد السجود لله ولا ينشغل بسواه وليعلم أنّ رسول الله بيننا مازال معلّما وهاديا وبشيرا وسراجا منيرا ، فلا تذهب نفسك حسرات على مسافة بينك وبين المدينة المنوّرة ،لأن رسول الله ليس ممتنعا هنا وموجودا هناك فتلكم سذاجة فكرية ،ووطّن نفسك على الإخلاص وكثرة الدعاء له والسلام عليه والصلاة عليه تماما كما تدعو لولدك وكما تذكر أباك ونفسك.
اللهم جازه خير ما جازيت نبيا عن أمّته ورسولا عن قومه وصلّى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين..آمين
posted by تصحيح الفكر الدينى @ 6:28 PM   0 comments https://img2.blogblog.com/img/icon18_email.gif
الفصل الثامن: مهمة الرسول فى تزكية المؤمنين

مهمة الرسول فى تزكية المؤمنين
لقد أسند المغالين بلا ضوابط لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم مهاما ووظائف ليست من مهامه ولا من وظائفه كرسول ونبي مرسل من لدن الله ، وهم يتصوّرون ماهم فيه تديّنا أو حبّا للرسول ،وقد قاموا بما قاموا به ثمّ نشروه بين الناّس بينما هم لم يراجعوا القرءآن قبل أن يسترسلوا فى معتقداتهم وخيالاتهم.وكان من نتاج لهفتهم على التنافس فى ابتداع الحب بلا ضابط أن فاتهم كثير من العلم الذي كان يجب أن ينتفعوا به أو ينفعوا به النّاس بل أفسدوا عقول أهل الإسلام وأفسدوا عليهم حياتهم بين مجتمع البشر.
إن مهمة الرسول من الأهمية بمكان بحيث يستحيل أن يغفل عن ذكرها القرءآن ،ولقد حددها الكتاب الكريم فى مهام محددة حيث ورد ذكر المهمة فى آيات ثلاث فى القرءآن حيث يقول تعالى :ـ
1ـ ({رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ }البقرة129.
2ـ ({لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ }آل عمران164.
3ـ ({هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }الجمعة2.
لقد كانت الآيات الثلاث تبّين فى ألفاظ محكمة و دقيقة مهمة الرسول صلى الله عليه و سلم فهو أولا نتاج استجابة الله لدعاء خليله إبراهيم و ذلك مما تشير إليه الآيه 129 من سورة البقرة وهى الاستجابة التي جاءت بملبّية لكل كلمة وردت فى الدعاء و لكن تكون الإجابة فى الوقت الذي يقدّره الله.
و هو ثانيا له مهام محددة حددها الدعاء و حددتها الآيات الأخرى و تنحصر تلك المهام فيما يلى :
1- يتلو عليهم آيات الله
2- يعلمهم الكتاب و الحكمة
3- يزكيهم
وبتلك المهام الثلاثة وبممارستها سواء من الرسول أو من العبد مقتديا بنبيه يتم إزالة الضلال، فلا شيء فى مهمة رسول الله غير هذا، و من تصوّر أن للرسول مهمة البشارة و والنذارة متكئا على قوله تعالى (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ }فاطر24 ـ فلابد أن يعلم أن البشارة و النذاره ليستا من مهام الرسول، إنما هي من وسائله فى تحقيق الأهداف والمهام المذكورة، كما و أنّ القرءآن الكريم فيه البشارة و النذاره ، فعلى ذلك فإن قيام الرسول بمنهج و مهمة تعليم الكتاب ستدخل فيه البشارة و النذاره التي أرادها الله ليراود بها عباده لطاعته. أما وظيفة البلاغ {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ.....الخ الآية67 المائدة) فليست أيضا من المهام (الأهداف) و لكنها الوظيفة التي يؤدى بها النبي المهمة.
* و عودة مره أخرى إلى المهام المحددة لرسول الله صلى الله عليه و سلم لنتبينها الواحدة تلو الأخرى ، فعلى ذلك فإنّ كلّ من استمع إلى تلاوة من آيات كتاب الله فهو بذلك يحقق حقيقة من حقائق منّة الله عليه كمؤمن (لقد منّ الله على المؤمنين.......الخ الآية164 آل عمران)؛ وكلمة تلاوة تعنى تكرار السماع وتكرار القراءة ولا تعنى بحال تلاوة مرّة واحدة لا يعقبها مرات ومرّات، وبذلك السّماع وتلك التلاوة يتم إزالة ثلث الضلال عند كلّ مسلم.
* أمّا تعلّم الكتاب والحكمة فهو يزيل الثلث الآخر من الضلال، ولا عجب إذ حضّ القرءآن على تعلّم القرءآن وتدبّره({أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا }محمد24 وقوله تعالى ({كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ }ص29 ـ كذلك حضّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على تعلّم القرءآن وعلومه فقال فى أكثر من موضع ما يعنى (خيركم من تعلّم العلم وعلّمه).
أمّا الحكمة فقد سبق ونوهنا أنها هي الرشاد فى اختيار أفضل السبل ويصاحبها دوما توفيق الله للمؤمن وفق درجة إيمانه وإخلاصه وتدبّره لمرامي ومقاصد الشريعة، ووفق ما قدّره الله له من خير.
*أمّا مهمة تزكية المؤمنين فتعنى تطهير قلوبهم وصدورهم من براثن الضغينة ووحشة الفرقة وقسوة الكراهية والغل والحسد، مع عدم الانصياع للحق أو صعوبة الرجوع إليه فكلّ ذلك من أمراض القلوب، مع تهيئة تلك القلوب إلى حسن استقبال تعاليم كتاب الله وحسن الانقياد لما تعلّمه العبد من الصالحين من العلماء، وأن يصل العلم ليكون عقيدة فى نفس المؤمن لا ليكون علما لا ينتفع العبد به وأن يصل العبد إلى مرامي القدوة الحسنة والمآثر الطيبة التي تعود بالنفع عليه وعلى المجتمع فى الدنيا والآخرة، وهى تعنى النماء المستمر فى اتجاه الخير، وبذلك ينجلي العنصر الثالث من عناصر الضلال.
وحقيقة غالب أهل الإسلام فى عصرنا الذي نعيشه بعيدة كل البعد عن منهج التزكية، فسماع القرءآن قد يكون سهلا لمن يسّر الله له السماع والتلاوة،وتعلّم العلوم الشرعية والحصول على أعلى الدرجات العلمية فيها أمر ميسور لمن بذل بعض الجهد ،لكن الجهد كلّ الجهد فى مقاومة آفات النفس البشرية التي لا تستقيم للمسلم على حال وما ذلك إلا لأنّ الشيطان يجرى منها كمجرى الدم فى العروق ،وأطماعها وشهواتها لا تقف عند حد، لذلك فإنّ مهمة التزكية كانت على عهد رسول الله بثّا مباشرا من سلوكه صلّى الله عليه وسلّم كذا تعاليمه للصحابة الأجلاّء كانت منارة الهدى لتلك النفوس ، أمّا بعد مماته فتكمن فى الانقياد لصحيح سنّته ،وحينما أذكر كلمة (صحيح سنته) لا أعنى بها كتب الصحاح وإن كنت لا أعيبها في مجملها ،ولا أعنى التوارث الفقهي الغير منضبط على حقيقة النبوّة ، إنما أعنى الانضباط فى السنّة لتكون متوائمة مع الكتاب وغير متصادمة مع نصوصه ولا نتأوّل نصوص الكتاب لنصنع شرائع وتشريعات وننسبها لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ، فلم تكن من مهام رسول الله إنشاء تشريعات تتصادم مباشرة مع ما أنزل إليه من قرءآن ثم نعوّض هذا التناقض بفقه ما أسموه الناسخ والمنسوخ الذي هو أشدّ ضررا على أمّة الإسلام من القنبلة الذرية الإسرائيلية أو غيرها من دول العداء للإسلام ، وغيره من البلايا الفكرية والاعتقادية كثير مما أثّر على عقيدة الأمّة.
والتزكية التي يقوم بها المسلم لنفسه تكون عبر تطبيق كتاب الله ودراسة سيرة سيد الأوّلين والآخرين والبحث فى ثناياها وحسن التفرقة بين أهدافها وبين الوسائل التي كانت متاحة لرسول الله فى زمانه ليصل إلى تلك الأهداف، كذا معرفة ما تقدّم من فعله صلّى الله عليه وسلّم وما تأخر حتى نستظهر السنّة الحقيقية، فقد جمع البخاري ومسلم وغيرهما من رجال الصحاح كلّ ما كان عن رسول الله تقديما وتأخيرا، فلا بد من الاعتماد أيضا على علم العلماء فى هذا الشأن حتّى نصل إلى حقيقة السنّة، فاللباس والتداوى وتصفيف شعره صلّى الله عليه وسلّم ليس مما يقرّب إلى الجنّة قيد أنملة،ولبس البنطال وحلق اللحية ليسا مما يقرّب إلى النّار قيد أنملة، وإن كنت أرى أن من يفعلون تلك الأمور(اللحية والسواك وما شابه) هم الأقرب إلى تزكية النفس لكن عليهم أن يخرجوا معتقداتهم المظهرية من منهاج القرب أو البعد عن الله وحتى لا يزكوا أنفسهم على بعض ممن هم أفضل منهم ممن لا ينتهجون بنهجهم فى المظهر واللباس .
لكن تزكية النفس التي توصل إلى درجه التقوى تكون فى طريقته صلى الله عليه و سلم للتّقرب من ربه و إصابة هدف رضاه،وهى على سبيل المثال فيما روى أنه كان خلقه القرءآن ،وما كان يواظب عليه من الدعوة إلى الله ،ومن الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر،ومن صور الحياة الدينية الخاشعة التي كان يحياها صلى الله عليه وسلّم من التزام بصوم نوافل و كثرة الصدقة و صلاة الليل و إعانة الملهوف و عيادة المريض و كفالة اليتيم و مصادقة أهل الخير و العدل فى الرضا و الغضب وإيتاء ذي القربى ......... الخ
فإن المسلم إن تحلى بتلك الصفات وواظب على هذه الوسائل فإن نفسه ستزكو وسيصل حتما إلى درجة التقوى حيث يقول تعالى (........فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى }النجم32 ـ فدلّ هذا على أنّ تزكية النفس تكون بما نهج عليه سيد الأولين والآخرين من منهاج القرب إلى الله فقط دون غيره من المناهج التّصوّرية، والعبد المسلم الذي يلتزم بهذا المنهاج سيصل حتما إلى درجة التقوى حتّى وإن كان حليق اللحية أو يرتدى البنطال فلا قربى لله فى لحية ولا فى سروال ولا مهمة لرسول الله ولا هدف فيهما يبعث على التقوى إنما هي عادة قومه الذين نشأ فيهم وكانوا فيها سواء بسواء ولا شأن لقرب من الله أو بعد فى تلك الترّهات.
وتزكية النفس هي تلك التي نطلق عليه فى زماننا لفظ التربية لكننا نمارسها بغير هدف ديني وبلا هدف فى رضي الله عزّ وجلّ ولا نبع لها من قاعدة علمية أو تربوية معتمدة،فكان أن أصبحت تربية الأجيال للأجيال غير مرتبطة بمنهاج تربوي نابع من دين الله،بل أصبحت أمرا اجتهاديا يشكر كلّ منا نفسه على ما قدّمه من تربية لأولاده بلا مقياس يقاس عليه جهده ،وأصبحنا جميعا عبيدا للميراث بلا سند وبلا سبب؛ فكان أن قمنا بإنزال الضرر بأبنائنا دون دراية منّا ،وإليك مثال على الإضرار .....فإن ربّ البيت الذي ينام ومعه أهله فى وقت صلاة الفجر إنما ينشئ قاعدة الإهمال والتفريط فى الفرائض والواجبات وعدم الاكتراث لما يفوت من طاعة كذا عدم الاكتراث لما يحصّله العبد من ذنوب، وهو ينشئ قاعدة صلبة من الجحود على شعائر الله، فما بالك بما هو أقل من شعائر الله؟؟إن هذا الأب ينطبق عليه قول المولى عز وجلّ ({وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا }الشمس10 ـ فهو لم يزكّى نفسه ولم يزكّى أولاده بل أوردهم مورد التهلكة بينما هو يصيح(أنا ربّيت عيالي أحسن تربية) !!!!
ومنّا من تصوّر التربية فيما كان عليه رسول الله من لحية وسواك وتقصير للجلباب وتصوروه خشن العيش قليل الهمّة فى تحصيل عمارة الدنيا وفسّروا التفسير الخطأ لقوله تعالى {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }القصص83 ـ فانزووا فى بطون الوديان ومجاهل الفقر وتصوروا أنهم بذلك يزكّون أنفسهم والحقيقة خلاف ذلك تماما، بل واغترّ كلّ فريق من الفريقين المذكورين بما عنده فبقى كلّ على حاله لا ينتفع بنصيحة ناصح، وإن سمع النصيحة فلا يفكّر فيها لأن عقله الباطن متشبث بما هو فيه مهما ما كان فيه من حضيض، ولعب البعد عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر دوره فى المجتمع ليبقى أهل الضلال فى ضلالهم فما يجرؤ أحد أن ينقد أحد (هكذا تم تبديل اسم النهى عن المنكر أنه انتقاد ونقد غير محمود) فماج الجميع يخرجون أجيالا بلا تزكية، وصار الناس يلعن بعضهم بعضا لسوء تزكيتنا لأنفسنا وبالتالي ابتعادنا (دون أن ندرى)عن أحد أهداف ومهمة الرسالة الإيمانية التي منّ الله علينا بها ليخرجنا بها من الظلمات إلى النور، وحقّا قال تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى{14} وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى{15}) الأعلى .
في ذكري مولد النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلّم
ومولد كل مخلوق
لعل البعض يتصور أني من محبي المخالفة، أو قد يجد أني مولع بالنقض ، لكن الحقيقة ان منظوري في النقض ينبع من كثرة الباطل فى تراثنا الفكري والثقافي.
فحين تري المسلمون في ذكرى مولد النبي قد تراشقوا كفريقين.. ففريق يقول بحرمة الاحتفال بمولده والفريق الآخر يقول بعدم الحرمة، تجد نفسك تدفعك للبحث عن قاض ليحكم فى تلك الخصومة التي ما تزال مشتعلة منذ زمن ولدت وإلي يومنا هذا .
والحقيقة التي يجب العثور عليها بين ركام الخصومة هو أساس فكر كل فريق ، فالفريق صاحب فكر التّحريم يري أن الله لم يشرع لأهل الإسلام إلا عيدين اثنين هما الفطر والاضحي وما عداهما فهو بدعه... وكل بدعة ضلاله وكل ضلالة في النار ، وهو حين يقرر ببدعة الاحتفال بالمولد النبوي إنما يظنّ انه يأخذ بيد أهل الاسلإم من الظلمات إلي النور عبر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... وعندهم البرهان من أحاديث في هذا الشأن؛ والفريق الآخر يجد أن الاحتفال بالمولد النبوي هو من المباحات وأن من يقومون به لا يضيفونه للدين ولا يحتفلون بمولده علي أنه دين ولكنه إعادة إنعاش سنوي لذكرى مولد النبي الأعظم وفرصة لتأليف القلوب علي حبّ النبي وتعاليمه، والأمر علي هذه الوتيرة ليس فيه بدعه.
وحقيقة الفريقين عندي أنهما قد ضلاّ طريق الخلاص إلي الحق حينما تراشقا علميا وفقهيّا من خلال مولّدات الحمم الفكرية التي تغذّي ألسنتهم ،ومن خلال العناد النفسي الذي برعوا فيه في معظم ما شجر بينهما ،ويأتي ازدراء كل فريق للفريق الآخر كأحد الأمراض المستعصية في أمّة الإسلام ،وما ذاكم إلا لأننا لا نعلم كيف يكون الجدال ولا هي صور التفكّر المعتدل الذي يسعى المحاور به لنصرة الحق ،فالفريقين أصابهم مرض فكري من صنع بشري يعتمل في عقولهم بأن الاحتفال بمحمد صلي الله عليه وسلم سواء بمولده أو هجرته أو غير ذلك من احتفال بمولد أىّ مولود أو ذكري طيبة إنما هو يرجع في أصله إلي تعظيم الذّكري أو الاحتفال بالمولود أو بصاحب الهجرة ، وهو فكر أملته ظروف البعد عن صحيح العقيدة الإسلامية وغذّاه الجهل بمرمى الركن الأول من أركان الإسلام وهو لا اله إلا الله محمد رسول الله.
إن الذين يحتفلون برسول الله في يوم مولده قوم ضلّوا طريق التعامل مع الأحداث بل وتطور بهم المفهوم ليحتفلوا بالحلوى مع بعض الرّفاهية الفكرية بخطب منبرية يطلقونها عن مناقب النبي.
ولو أنهم أمعنوا النّظر لوجدوا أنّه كان يجب عليهم الاحتفال بشكر المنعم قبل أن يشكروا النّعمة ، فرسول الله نعمة أنعم الله بها علينا فيكون قصر الاحتفال به وعلى تذكّّّره ومراجعة مناقبه نوع من أنواع الهبوط الفكري عمّا هو أولي وهو التفكير في نعمة الله علينا حين قدّر وحين أمر بميلاد النبي بل أنهم ذهلوا أن بعثة الله له بالرسالة إنما هي من عين رحمة الله علينا.
فكان من الأولي أن نحتفل بموعد بعث الله لنبيه بالرسالة لأنها مناط الهداية ولم يكن مولده هو أصل الهداية إذ يقول تعالي {وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى }الضحى7 ويقول {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }الشورى52 ـ الأمر الذي يعني أننا نحتفل كما يحتفل النصارى بنبيّهم في يوم مولده غير أن احتفالهم له ما يبرره إذ كان مولد نبيّهم معجزة بكل المقاييس بينما جاء مولد نبينا عاديا من زواج طبيعي وحمل طبيعي ،ولو أننا كما ندّعي نخالف اليهود والنصارى تنزيها فإنه كان يجب علينا ألاّ نحتفي إلاّ بيوم بعثته فهو اليوم الأعظم في حياة محمد صلي الله علي وسلم واليوم الأعظم في حياة الأمّة وليس يوم مولده أو صباه الذي كان لا يعلم فيه شيئا عن الله .
* إنّ المسلم إن تدبر قول {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }الأنعام162 ـ لعلم أن كلّ أفعال الحياة يجب أن تكون لله وليس لغير الله، وليس الصلاة والنّسك فقط كما يظن شاحبوا الفكر.
* وإذا علم العبد أن القرءان الكريم يجب أن يكون منظومة متكاملة في خلق المسلم .
*وإذا علم المسلم قوله تعالي لسيدنا موسي عليه السلام {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }إبراهيم5 ـ لعلم أنّ التّذكير بأيّام الله منظومة ضمن منظومات وسائل الهدايه.
وأيّام الله المعنى بها في الآية السابقة ليست هي السبت والأحد والاثنين وما بعدهم ـ ولكن المقصود هو أيّام الآيات الكبرى من الخالق على الخلق، فيوم مولدك آية من آيات الله وقد تكون ذكري هذا اليوم للمراجعة إن تذكّرت مولاك ،وهى ذاتها تكون للمباهاة والفرح إن ذكرت نفسك ونسيت من أوجدك من العدم، وهو ما قال الله فيه {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً }الإسراء84 ـ ألم يعلم الجميع أنّ ميلاد كلّ مخلوق إنّما هو آية من آيات الله وذلك لقوله تعالى {إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ }يونس6
وعلى ذلك فإنّ من أبواب التقوى إدراك آية الله فى خلقه، سواء أكان هذا المخلوق أنت أم سيد الأولين والآخرين صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ، وأنّه يجب فى هذا اليوم شكر الله على ما امتنّ به علينا بمولد من بعثه فينا هاديا ومبشّرا ونذيرا .
لقد أمرنا الله أن نسير فى الأرض وندرس التّاريخ ونعتبر لقصص السابقين ، أفلا يكون من ضمن من ندرس تاريخه نبي الإسلام فنعتبر لسيرته فى يوم مولده وهو من أعظم أيام الله علينا ومن أكبر نعمه وفضله على الأمّة حين منّ على الأمّة بالهادي محمد حيث بقول تعالى {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ }آل عمران164 .
وفى شأن تكليف الله للناس بدراسة التاريخ يقول تعالى {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }الروم9 ـ ولكن قصر نظر الفريق الأول (فريق التّحريم المهاجم ) واندماج الفريق الثاني ( فريق التّحليل المدافع ) فى المقارنة العلميّة الغير مرتكزة على فقه العقيدة جعل الخصومة بين الطرفين أبديّة، بل وتهافتت عليها السنوات والأيام وهى مازالت حبلى بالخصام وما ذاكم إلا للبعد عن العقيدة وبروز فقه مضاد تم بناءهما على أساس أحوال الفّارين من طاعة الله أومن التدبّر فى آيات كتابه.
فالاحتفال بأعياد الميلاد وعلى الأخص بمولد النبي محمد لا يجب أن يكون احتفالا بمحمد صلى الله عليه وسلم ولا بالمولود فذلكم قلب للبّ الأمور وحقائقها وهو الفكر الأساسي الذي قام بتغذية الخصومة بين الفريقين، لكن كان من الواجب أن يجد الفريقين حكيما يرشد الضّالين إلى ضرورة الاحتفال بالخالق الذي خلق المخلوق ويعيد للناس حقيقة الرجوع إلى الحق بإبراز ضرورة التفكير فى آية الله العظمي فى خلق هذا المخلوق المحتفي به فإنّ هذا الفكر أجدي بأن ينتفع كل منا بذكرى يوم مولده ليراجع فيه نفسه ومسيرتها فى طريق حياتها قبل أن تعود إلى بارئها، ويجدد العهد مع الله فى كل عام مرّة على الأقل، وفى هذه الحال لن يجد أصحاب فكر البدعة والحرمة شيئا يحرّمونه ولا بدعة يذمّونها ،لكن القصور الفقهي وحب تقليد الآباء مع عدم إعمال الفكر دشّن سفينة التلاطم الفقهي الساذج فاخرجوا فقه الحرمة وفقه الحلال وفقه المباح دون أن ينظروا للمهمة الأساسية في إعادة صياغة نهج المجتمع فى صور الاحتفال بالميلاد.
ان آيات الله تسعي لحظيّا ويوميا وأسبوعيا وشهريا وسنويا بين أيدينا ولكننا لا نأبه لها ،لذلك فنحن لا نقدّر الله حقّ قدرة ولا نذكره قياما وقعودا ولا نذكرة كثيرا كما أراد، ولكن ترانا نسعى لصلاة الكسوف إذا ما كسفت الشمس لأنّ رسول الله صلّي صلاة الكسوف، فنحن تماما كما تفعل الببغاء وهى تنطق بلا إدراك، وفى غمرة هذا فترانا لا ندرك أنّ النبي احتفل بيوم مولده أسبوعيا من خلال صوم يوم الاثنين من كل أسبوع، بما يعنى أنّه صلّى الله عليه وسلّم جعله يوم قربي إلى الله، وبما يعنى أنّ ميلادك وميلاد النبي يجب أن تكون أيّام تقرّب إلى الله.
ان الله جعل ارتباطا بين المخلوقين وبين الآيات الكونية ( ليل / نهار / كسوف / خسوف / زلازل، براكين ... الخ ) وشرع عندها الصّلاة، فالليل و النهار آيتين يبدأ عندهما اليوم بصلاة وينتهي بصلاة، والنوم آية يدعوا المسلم عندما يغشيه النعاس بدعاء النبي، لا يدعوه كببغاء تردد ما ورد عن النبي إنما يدعو بيقين المشاهد لآية الله عليه فى النّوم... وكذلك تكون صلاة الكسوف وكذلك تكون صلاة الاستسقاء وغيرهم.... وهكذا تجد ان الله يربط المخلوقين به عن طريق الآيات الكونية المشاهدة فى الكون والآيات المقروءة فى كتابه الكريم.
الم يدرك أحد الفارّين عن تدبّر كتاب الله سبب قول عيسي عليه السلام {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً }مريم33
وقوله تعالى عن زكريا عليه السلام {وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً }مريم15
وان الله قال عن ميلاد عيسي عليه السلام {.... وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً }مريم21
أفلا تكون بعثة النبي محمد آية للناس !! خاصة إذا ما تدبّرنا أنّ الله امتنّ علينا حين بعثه فينا وذكر ذلك فى كتابه الكريم (آية164 آل عمران) ولكننا ذهلنا عن تدبّرها وامتطينا فعل النصّارى مع نبيّهم من احتفال بيوم مولد عيسى عليه السلام لنحتفل فيه بالمولود محمد ولا نأبه لدور الخالق فى ذلك اليوم.
وإنّ الاحتفال بأيّام الميلاد (إن احتفلنا به كما نوّهنا)يكون فيه تنزيه لله الذي لم يلد ولم يولد وتعظيم وتأكيد لتفرّده سبحانه وتعالى بمطلق الأمور واعترافا له بالإعجاز فى تخليق البشر.
فالمسلم الحق هو الذي يحاول أن يدرك بقوله وفعله ومحياه ومماته رضا مولاه، ويترصّده فى كل سكناته وحركاته، فتكون احتفالاته بالله وليس بسواه إجلالا لمن يحق له الإجلال وتنزيها وتكبيرا لمن يصح له التكبير أولا وآخرا ثم لا يمنع بعد ذلك أن يتذكّر المسلم مناقب النبي التي هداه الله لها وسيرته التي أمرنا الله أن نقتدي بها
posted by تصحيح الفكر الدينى @ 6:21 PM   0 comments https://img2.blogblog.com/img/icon18_email.gif
الفصل السابع: حدود العلم والاهتمام الدّيني الواجب للمسلم
حدود العلم والاهتمام الدّيني الواجب للمسلم
أكثر المسلمون يعيشون وليس ضمن اهتماماتهم بذل الجهد من أجل الاستزادة من العلم الديني وهم يكتفون بما يسمعونه فى خطبة الجمعة... إن بذلوا الجهد والاهتمام لسماعها أو للحضور مبكّرين لسماعها إذا ما حضروا الجمعة، وهم يتصوّرون العلم الديني رفاهية لمن شاء الرفاهية أو لربّما تصوّره تخصصا لفئة معينة، وترى الدعوة إلى العلم والاستزادة منه تأتى هزيلة ،وترى الكتاب الديني المفيد غالى الثمن ، وهجران القراءة في كتاب الله منهج كل هؤلاء الفارين من الهداية ،وتراهم يمتنعون عن كل ما يجهد أجسادهم الكسولة من صلاة مثل صلاة الفجر أو الصلاة في المساجد ؛ لهذا فقد تولّد عن هذه الظواهر مجتمع الكسالى من الدّعاة أيضا ، فإن الداعي إلى الله يكدّ ويبحث من أجل المهتمّين بشأن دعوته، كما نشأ مجتمع الفخورين بالقشور الدينية التي هم عليها ، وبرزت كتب العلم التافه ، وتحولت المنابر في خطبة الجمعة إلى خطب للمناسبات الدينية في أغلب الأحوال ، بل قد اختط البعض كتبا أسموها خطب الجمعة ، ولست أدرى ما يفيد الناس من خطيب يقرأ خطبة الجمعة بلا روح ولا ريحان.
وأصبح علم الفرد من ميراث سماعي لا يدرى إن سألته عن مصدره ممن سمعه أو متى وعاه؟؟ ، وأصبح التقليد الأعمى هو رائد الجميع في حياتهم فيما يخص دين الله، وأصبح ميزان العلم هو ما تقدّمه الحكومة عبر شبكة التلفاز أو ما يقدمه أي شخص شريطة أن يرتدى عمامة، وأصبح ميزان الصلاح إطلاق اللحية للرجال أمّا الإناث فلهنّ النقاب وأحيانا الحجاب ، وأصبح العلم الديني الذي يطرب الآذان هو الداعية القصّاص الذي يقص على الناس كثير من القصص الذي ينسبونه إلى صلاح الدين للترغيب أو القصص الآخر الذي ينسبونه إلى سوء السلوك وعواقبه للترهيب من المعاصي ، كذلك تخصص دعاة في أحكام الحيض والنفاس وطريقة حسن المعاشرة الزوجية، وما يصرّح للخاطب أن يرى من خطيبته ،وحقوق المرأة في الخلع وحقوقها في الفراش ،وحق الرجل في التزوّج بأكثر من واحدة.....وغير ذلك مما يطرب آذان المشتاقين إلى الفساد باسم أنه ينفق الوقت في الدين وباسم شعار(ـ...لا حياء في الدين.....) ولست أدرى من أين أتوا بهذا المذهب في الدعوة إلى الله؟؟؟.
ولقد قمت بإجراء اختبار ديني يخص حدود العلم والاهتمام الديني عند المسلمين ففشل جميع المصلّين بالمسجد ،ولقد كررت الاختبار مرّات ومرّات بعد ذلك ،ولكن بين كل فترة وأخرى كانت تمر بعض السنوات ففشلوا جميعا ،وما يرجع ذلك إلا لتعطّل الإدراك في العلم الديني عند المسلمين وتعطل الاهتمام بتذكّر العلم وانقراض ذكر الله في القوالب والقلوب ، وسوف أقوم بإجراء هذا الاختبار على القارئ لهذا المبحث الآن وسوف يرسب معظم القرّاء رسوبا مدوّيا.
فجميعنا يعلم أنّ العلم بالقرءآن الكريم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة خاصة في مسائل العقائد والإيمان، ولكننا حين نطبّق الأمر في واقع الحياة تجدنا نهتف بأنّ العلم للمتخصصين فينا وذلك سبب رئيسي من أسباب رسوبنا الفكري، وترانا نردد بلا تفعيل قوله تعالى(وقل ربّ زدني علما) ولا نهتمّ ولا نسعى لتحصيل العلم ،وإليك الاختبار الذي يسعى ليؤكّد حقيقتك في التّدبر أو في تعبير أدق حقيقتك في الاهتمام أو عدم الاهتمام.



الاختبار
يقول تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ) (البقرة:26)
فبما أنك من الذين آمنوا فقل لنفسك ماذا أراد الله بأن يضرب مثلا ببعوضة وما هو مراده من هذا المثل وما هو الحق الذي علمه الذين آمنوا في هذا المثل ؟؟؟ وما موقف المسلم الذي وقف مكتوف الأيدي أمام هذا المثل وقال كما يقول الذين كفروا (ماذا أراد الله بهذا مثلا؟؟)، وهل ما علمه الأقدمين في هذا المثل يعبّر عن منتهى العلم الواجب أم لا .
إني لأعلم أن الإجابة جدّ عسيرة وما ذاكم إلا للفقر العلمي والفقر في العقيدة وقلّة الاهتمام التي يجمعها المسلم بين جنبيه فى تدبر كتاب الله، كذا انفصال فكر المسلم عن استخدام أدوات المعرفة فى عموم الحياة عن دينه...ولكن إليك الإجابة:ـ
أولا: يجب أن تعرف مفردات المعاني لبعض الكلمات التي يمكن أن تكون مفيدة ـ فكلمة لا يستحيي تعنى لا يتغير ولا ينكسر لأنه سبحانه وتعالى يغيّر ولا يتغيّر ، وكلمة فما فوقها تعنى فما أقلّ منها في الصّغر.
ثانيا: هذا المثل تأكيد من الله على ضرورة العلم ،فما يفهمه الأقدمون من هذا المثل أقل مما يفهمه المحدثين من هذا المثل، وذلك لأن الله ينزّل كل يوم علوما جديدة من خزائن علمه عسى أن يؤمن البشر أو يزداد يقينهم بالخالق ، لكن هيهات لأمّة لا تقرأ ولا تتعلّم ولا تستجيب ثم بعد ذلك تتصوّر أنها المعنية بقوله تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (آل عمران:110)
إن الأقدمين من الذين آمنوا فهموا من هذا المثل أن الله يضرب هذا المثل بالبعوضة فهي رغم دقّتها وصغر شأنها بين الناس إلا أن بها سرّ الحياة الذي استودعه الله الخلائق جميعا،وبها سرّ الخلق الذي احتفظ الله به لنفسه (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) (الحج:73) وهذا هو حدّ الكفاف في العلم بشأن هذا المثل.
أما من أراد الاستزادة حتّى لا يكون ممن لا يهتمون بعلوم القرءان ولا يهتمّون بكلمات الله ولا يقرؤونها إلاّ وهم غير متدبرين ولا مهتمّين إن أقاموا فريضة التدبّر أم لم يقيموها، فإن مثل البعوضة يحمل في طيّاته حقائق عديدة نذكر منها ما يلي:ـ
*أن الله يضرب المثل بأنثى البعوض (الدليل كلام الله) وهى الوحيدة التي تمتص الدّم وليس الذّكر.
*لها مائة عين في رأسها على شكل يشبه قرص العسل.
*لها مائة سن في الفك السفلى من فمها.
*لها ثلاثة قلوب في جوفها بكل قلب الأقسام المعروفة في تكوين القلوب.
*لها ستة سكاكين في الشفة العليا ولكل سكين وظيفته.
*لها ستة أجنحة (ثلاثة في كل جنب) ولكل جناح عروق تقوية.
*لها ممصات بأرجلها تمنع الهواء من إزاحتها من على جلد الإنسان إذا ما اشتد الهواء (كالهواء الصادر من المراوح الكهربية ونحوه).
*مزوّدة بجهاز حراري يعمل بمثل نظام الأشعة تحت الحمراء وظيفته أن يعكس لها لون الجلد البشرى في الظلمة إلى لون بنفسجي حتى تراه، كما أن لها إمكانية الإحساس بالكائنات الأخرى بواسطة الطاقة الحرارية الخارجة من تلك الكائنات.
*مزوّدة بجهاز تخدير موضعي يساعدها في عدم كشف حالها أثناء غرسها لإبرة مص الدم، وينتهي تأثير المخدّر بمجرد انتهاء مهمتها في مص دم الإنسان فيشعر الإنسان بوخز قرصتها ولكن بعد مغادرة البعوضة لجلد الإنسان.
*مزوّدة بجهاز لكشف الدماء الدّسمة والتفرقة بينها وبين الدماء الغير دسمة ( الدماء التي يعانى أصحابها من الكولسترول هي الدماء الدّسمة وهى التي تستهدفها البعوضة ـ لذلك لا تعجب أن تجد في المجلس الواحد من يشتكى لدغ البعوض ومن لا يشتكى).
*مزوّدة بجهاز لإفراز سائل لمنع تجلط الدّم حال الامتصاص من خرطومها الرفيع جدا إلى جسمها حتى لا يتجلط في جهازها الهضمي.
*مزوّدة بجهاز للشّم حتى تتعرف على نوع الدماء الذي تحبه من مسافات بعيدة.
*البعوضة إذا جاعت عاشت وإذا امتلأ جوفها انفجرت وماتت.

ولميكانيكا وطبيعة عمل البعوضة شأن عجيب في الدقّة والنظام والعلم ،فهي تشم أولا رائحة الإنسان الذي تنتقيه لمص دمه ثم تقف على الجلد تستهدف المهاد السريرى للدم الموجود أسفل الجلد مباشرة وتضع أرجلها ذات الممصات على الجلد لتثبيت وضعها وتقوم الأجنحة بدور حفظ الاتزان حتى في حالة تحرّك الإنسان (الهدف) فهي تظل ثابتة على رقبتك مثلا حتى وأنت تسير أو تجلس أو تتكلم، ثم تفرز نقطة دقيقة جدا من المخدر تكفى مدة عمليّتها الجراحية في جسد الإنسان، ثم تقوم السكاكين بعد ذلك بعملها في قطع الجلد، ثم إنزال سائل مانع التجلط أولا من خلال خرطوم خاص، ثم ثقب الإبرة للجلد من خلال القطع الذي قامت به السكاكين والموضوع به المخدّر والمعالج بمانع التجلط ، ثم تبدأ عملية الامتصاص.
ومن آياته الجليّة الوسطية في كل شيء ـ ولأن الشبع يؤدى إلى التخمة عموماـ لذا فإنك ترى البعوضة إذا ما امتلأت أحشائها فإنها تنفجر وتموت لذلك تدبّر الحديث الشريف (ما ملأ ابن آدم وعاءا شر من بطنه) وغيره من الأحاديث فى هذا الشأن كثير. وإنه بعد انتهاء عمل البعوضة على جلد الإنسان فإنها تطير وينتهي عمل المخدّر ويشعر الإنسان بوخز ما كان من أمر البعوضة.

فتأمل رحمك الله سر الحياة وسر الخلق وقل سبحان الذي خلق الأزواج كلها وتذكّر قوله تعالى(.....وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً }الفرقان2ـ وتدبّر قوله تعالى (إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) (يونس:6)
وقوله تعالى(وفى خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون)4 الجاثية ـ ويقول تعالى(وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ) (الشورى:29)
ويتأمل المسلم من هداية الله للبعوضة في طريقة حياتها المتناسبة مع إمكانياتها ويقول ({هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }لقمان11 ـ ويتحقق من قوله تعالى {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ }السجدة7
وإليك بعض المعلومات الإضافية عن البعوضة:ـ
إن ذكر البعوض عندما يصل إلى مرحلة البلوغ فإنه يقوم بالبحث عن الأنثى مستخدما حاسة السمع فإن حاسة السمع عند الذكر ليست مثل الأنثى فإنها أقوى وأحس.
الغذاء الرئيسي للبعوض هو خلاصة الزهور لكن الأنثى تحتاج إلى امتصاص الدم لتتغذى على ما فيه من البروتين اللازم لنمو البويضات بما يعنى أن عملية امتصاص الدم لازمة لاستدامة النوع.
تطير الذكور في جماعات كبيرة فعندما تدخل أي أنثى في داخل السرب يمسك بها أحد الذكور بواسطة كلاليب خاصة وتتم عملية التزاوج حال الطيران وهى تستغرق لفتة صغيرة من الزمن.
بعد أن تتغذى الأنثى على الدم تكبر البويضات ثم تقوم الأنثى بوضعها على الأوراق الرطبة أو بجانب البحيرات اليابسة وهى تميّز المكان الرطب عن غيره بواسطة لاقطات حسّاسة موجودة في أسفل بطنها، ولا يصل طول البويضة إلى واحد مليمتر، وهى تضع بيضها إما بالواحدة تلو الواحدة أو تضعه في هيئة مجموعات مترابطة تصل المجموعة الواحدة إلى 300 بويضة، وتكون البويضات باللون الأبيض أولا ثم وبعد مرور 1ـ2 ساعة تتبدّل لونها إلى لون أسود حتى يتم تمويه البيض عن خطر الحيوانات والحشرات الأخرى، وبعض أنواعها يتغير لونه وفقا للون البيئة الموجودة عليه.
وتوجد معلومات كثيرة جدا عن أطوار النمو وطريقة التنفس وغيرهما مما يعجب له المرء ويقف مبهورا أمام عظمة وقدرة الله وأمام هدايته لخلقه فى سبل حياته وبقاء نوعه بدلا من وقوفه مبهورا أمام شاشة التلفاز في تمثيلية هابطة مما هو متوفر للعق العقول الفارغة البعيدة عن العلم وعن التدبر والتي اكتفت بإيمان قديم أو موروث،أو الجلوس أمام شاشات الكمبيوتر للعب الأشواط القاطعة للوقت أو مشاهدة الساقطات ممن يتخنّعن ويتمايلن بالغناء مما توفره أجهزة الإعلام كمنتج رئيسي حتى يتم التأكد التام من بعد الشباب عن دين الله .
فما تم تقديمه عن البعوضة هو التّدبر الواجب في كتاب الله لأهل هذا العصر وهو التّدبر الذي لا يقف عند حد وتنهض به الدعوة وينتشر به الإسلام في ربوع الأرض.
وتجد النّاس وهى في منهاجها في عدم التّدبر تمر عليها الآيات تلو الآيات وهم ذاهلون عمّا يقرؤون (هذا إن قرؤوا القرءآن) فعلى سبيل المثال قول المولى عز وجل في سورة المدثر (وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ{31}
إن المسلم لا يجب أن يتساوى مع الكافر وهو يتلوا هذه الآية لذلك فيتعيّن عليه معرفة ما يعنيه العدد (19 ) عدد خزنة جهنم وكيف سيزداد إيمان الذين آمنوا بمعرفة ما يعنيه هذا العدد وهو الأمر الخارج عن إطار البحث الماثل لكن تم ذكره ليفيق المسلم من إغماءة القراءة في القرءآن بلا تدبّر أو يقرأ القرءآن ويترك أمر تدبّره لغيره ممن نسميهم بالمتخصصين وكأنّ القراءة علينا والتدبّر عليهم ولا حول ولا قوّة إلا بالله.
وأضرب مثلا آخر ولكن عن عدم تدبّر أحاديث رسول الله فإننا كثيرا ما نتشدق بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم ( الإيمان بضع وسبعون شعبه أولها لا إله إلا الله وآخرها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان) ـ فهل كلّف أحد خاطره في إحصاء ومعرفة ألبضع وسبعون شعبة من الإيمان كما أجهد البعض أنفسهم في إحصاء مذاهب الأمة التي ستتفرق إلى بضع وسبعون فرقة كلّهم في النار إلا واحدة.....الخ ـ لا شك أن لنا مذهبا دمويا حتى في البحث العلمي ولذلك لا تنهض الدعوة لله فى ربوع الأرض على أيدي الكسالى أو الدمويين من الدّعاة.
*وعودة إلى حدود العلم الديني ومقداره الواجب على كل مسلم حيث يقول تعالى ({........ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً }طه114 ـ وكما هو معلوم أنه يجب على المسلم تفعيل النص القرءآنى في واقع حياته حتى يكون مؤمنا صحيح الإيمان ومتأسيا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي كان خلقه القرءآن ، وليس الأمر أمر دعاء يدعوه المتخاذل ويقول (رب زدني علما) .
والله حين يضرب الأمثال فى القرءآن إنما يضربها كي نعقلها وفى ذلك يقول تعالى({وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ }العنكبوت43 .
وإن الله حينما بدأ الخطاب السماوي للناس ليؤمنوا بالإسلام دينا بدأه أول ما بدأه بقوله تعالى (اقرأ)، كما أمرنا الله تعالى بتدبّر آيات كتاب الله ولا نكتفي بقراءتها ({أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا }محمد24، ولعلّ مسلم هذه الأيام قد تصوّر هذه الآية تعنى خطابا خاصا للكافرين لعدم تدبّرهم كتاب الله ....وهذا من عجيب نهج المسلم ، أو لعلّ المسلم بما أصابه من آفة التخصص قد تصوّر الأمر خطابا للمتخصصين وليس أمرا للكافة كافرهم ومسلمهم عالمهم وجاهلهم دون تمييز .
فالجميع يحتاج الاستزادة من العلم ويحتاج التّدبر حتى يهتدي أو يقوى إيمانه أو يتحصّن ضد مكايد الشيطان، ولعل البعض تصوّر أن ذكر الله المعنى في القرءآن فى قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً *وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً }الأحزاب42&41 ـ هو تكرار القول بتسبيحات وتهليلات وتكبيرات وغيرها....وسواء أكان هذا مع التمايل أم بدونه ولكن ليس ذكر الله المطلوب المعنى في القرءآن الذي هو الدستور الأسمى للإسلام هو ذلك الحال من التّسبيح المتمايل أو غير المتمايل، ولست أدرى ماذا يفيد هؤلاء أو يفيد البشرية في عمرانها من تكرار ملايين المرات باللسان سبحان الله أو غيرها، قد أجد هذا الأمر غذاءا روحيا لمن لم يتيسر لهم طريق العلم والثقافة وهو لهم زاد هام، لكن أين وسعك أنت فيما اكتسبت من علم وعقل ؟ ألم تتعمق في حساب نفسك يوما لتعلم أنك رائدا في منع التقدم والحضارة عن ديار الإسلام؟؟ إنك بمعتقدك هذا فى ذكر الله حصرت ذكر الله فيما تعمل وتقول من تسبيحات داخل أو خارج المساجد وتصوّر للناس صورة غير التي أرادها الله في كتابه بمعتقدك هذا.
أن معتقدا راسخا قد أصبح عند الناس فإنهم يتصوّرون أنّ الذّكر قد انحصر فى قول سبحان الله أو غيرها من التسبيحات وقد يتصوّرون أنهم طالما لا يقومون الآن بالصلاة فهم لا يذكرون الله، فحين يكون المسلم في عمله أو وظيفته فهو يتصوّر أنه لا يذكر الله مما أدى إلى فساد الوظائف تحت ظلّ هذا المفهوم عن ذكر الله، وأجهدت السلطات التي لا تعمل بذكر الله نفسها في سن قوانين لمنع الرشوة ولمعاقبة المقصّرين في أعمالهم ممن تصوروا عدم وجود علاقة بين العمل وبين ذكر الله، وتراهم يعلّقون لا فتات مكتوب عليها أن العمل عبادة لكنهم يعلّقونها كما يعلّق المهزوم لافتة يشجع بها فريقه المتخاذل، ذلك أنها لا فته لم تمس شغاف القلوب بإيمان رغم أنهم يدّعون ذلك الإيمان، ويعلّقونها للتفلت من عدم إمكانهم الصلاة فى المساجد ولتبرير ما هم فيه من بعد عن ذكر الله فقط ، وما أعنيه هنا أن الشعارات المفرّغة المضمون والأقوال التي لا تساندها أفعال هي وبال على الأمة ، فما بالك والجهل هو رائد هذه الأقوال حتى وإن سبّحت بحمد ربها وحتّى وإن استدامت على قراءة القرءآن ،وإن كان الأمل موجودا في هؤلاء لكن أخشى أن يصل قطار الأمل في الهرم أو في المرض ولربما وصل لمريض على فراش الموت فلا يستطيع إحسان العمل ولا تدارك ما فات .
إن منهجنا في الحياة عموما ونهجنا في الممارسة الدينية خصوصا أفرز أمة أصبحت عالة على أهل الصليب خاصة، وفى الوقت الذي نتمتع فيه بعلومهم ومخترعاتهم التي جاد الله عليهم بها ومنعنا إياها ، ففي ذات الوقت فنحن نلعنهم ، ولست أدرى أي خطاب ذلك الذي نقدّمه لأهل الصليب أو لأهل القلنسوة ؟؟ أخطاب نكران الجميل مع التصميم على الجهل والاستمرار فيه !!! أم خطاب المتفجرات التي تأوّل بها بعض الفاسدين فى دينهم وقدّموه دمارا للعمران والأرواح باسم الإسلام حتى لم ينج من تحت أيديهم المسلمون فى العراق والمسلمون فى الجزائر ؟؟؟ ناهيك عما يقدمه كافة حكّام الدول الإسلامية من نموذج ينسب للإسلام والإسلام منه براء من تصيد للنشاط الديني وترصّد له حتى تطرّف البعض نتيجة لهذا التّرصد ، وما ذاكم جميعا إلا لفقدان هوية التّدبر الديني لدى الفرد والجماعة ، وإنه إن تدبر أحدهم خيرا رجموه بكل سياط التكفير والذم والقدح فلا يجد مناص من مغادرة البلاد إلى أرض الصليب حيث الحرية الفكرية والتشجيع على البحث، أو إلى أراضى أخرى إن كان من علماء الدين حيث يجد الرواج الفكري والدعاية لبضاعته بدلا من تهميشها أو مناصبة العداء له ولها؛ فنحن نعلم عن طيور دينية مهاجرة ونعلم عن طيور علمية مهاجرة ولكن لا نعلم عن طيور من أهل الفن والغناء مهاجرة من أرضنا، بل نجد فرق الشو الروسي وأفرادا من أهل الفن العربي قد استعمروا أراضينا الإسلامية بفضل ترصدنا وتكريسنا للجهل الديني.
وحتى الجماعات الإسلامية تأوّلت سنة الرسول الأعظم لحية أو سواك ولم تتأولها دعوة لله بالقول والفعل فترى معظمهم أشد الناس غلظة على أهل الإسلام وأكثر تطرفا مع الملل الأخرى ،وما ذاكم إلا لغياب المنطق الديني الحق والذي لا تنهض المؤسسات الدينية لري شبق الناس منه ،فهم أيضا يقدّمون الهزال المعرفي ويكررون هذا الهزال في كل محفل ، ولست هنا بصدد إبداء تصور فى أن إطلاق اللحية أو قراءة القرءآن شيء مذموم ، بل على العكس فإنها سلوكيات محمودة من السالكين فيها وفاعليها لكن المؤسف أن ترى من يقرأ القرءآن يوميا دون أن تتحرك فيه مقلة التّدبر وتراه رغم مرور السنين عليه يقف مكانه ولم يظهر له عبير ولم يترسم القرءآن ببهائه عليه ،وما ذاكم إلا لعدم تطبيقه للنص القرءآنى الذي يداوم على قراءته.
إن القرءآن فيه هدى ، و لكن الهدى لمن يقوم بتفعيل النص القرءآنى فى واقع الحياة و تدبر رحمك الله قوله تعالى ({إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً }الإسراء9
و قوله تعالى ({ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }البقرة2
فمعنى ذلك أن العبد الذي على الاستقامة يهديه القرءآن لما هو أقوم.
و معنى ذلك أن القرءآن فيه هدى لمن تحرى رضي ربه و اتقى الله في كل حياته.
*كما إن دراسة السنّة النبوية و السيرة النبوية أمر لابد منه لمن أراد أن يسلك الطريق الصحيح لكن شريطة أن يعلم السالك في سنّة رسول الله أنه دخل إلى صيدلية فيها من الدواء و فيها من السموم و عليه أن يقوم بالفرز الصحيح و ليكن رائده في الفرز تناغم الحديث مع كتاب الله فإن لم يستطيع فعليه بسؤال العلماء.
إن من سياسة التهميش فى تعلّم القرءآن أن تقرأه و لا يجاوز حنجرتك و لقد ذم رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا الصّنف من الناس الذين يقرأونه لا يجاوز حناجرهم.
ومن سوء إدراكنا للعلم بالدين أننا أوّلنا قوله تعالى (.....فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }النحل43ـ أن نسأل أهل الدين بينما نحن قابعين فى دياجير الجهل وظلماته ولوكان أحد تدبّر قوله تعالى (إن كنتم لا تعلمون) كما ينبغي لعلم أنّ الأصل أن يعلم المسلم والاستثناء ألاّ يعلم فحين ذلك يسأل أهل الذكر فى الدين، أمّا أهل الذكر من الطب والهندسة وأمثالهما فهؤلاء يجب سؤالهم ولا يتكلّف المسلم دراسة كلّ تلك العلوم التخصصية
و المسلم الحق يجب أن يكون محبّا للدين و علوم الدين و ليس كما نرى من مسلمين يتفلّتون من الفرائض قدر استطاعتهم و يتنسّمون نسيم الحرية و هم خارج الإطار الديني ،أولئك شرار المسلمين و أظنهم في النهاية طعام إبليس ، بل قد يخرجهم من الملّة قبل بلوغ الروح الحلقوم و ما ذلك إلا لقلّة العلم و بالتالي قلّه الإيمان و تدبر قوله تعالى:- ({يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ }إبراهيم27
و يقول تعالى {وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ* وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ }المؤمنون98&97
فالقول الثابت يكون مرافقا لإيمان المرء و الإضلال يكون مصير المهتزّين الذين لن تتركهم الشياطين حتى في حال احتضارهم تمهيدا للوفاة حتى تخرجهم من الملّة.
كما و أن تنقية الحياة من الشرك أمر يعوزه العلم ذلك أن المسلم قد يصاحب إسلامه شرك بالله كما يفعل أغلب الناس حيث يقول تعالى ({وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ }يوسف106
لكن أهل العلم و الهداية تجدهم و قد دخلوا الحصن الحصين – لذلك لا عجب أن تجد الحديث القدسي القائل ( لا إله إلا الله حصني و من دخل حصني أمن عذابي )ولكن هذه تغير مفهومها أيضا عند أغلب من فقدوا الرّشاد فتصوّر بعض الدهماء أن يقول و يكرر – لا إلة إلا الله – فهو بذلك قد تصور نفسه ممن أصبحوا في حصن الله و تصوّر بأنه بهذه المقولة التي أجهد نفسه في تكرارها أنه أمن عذاب الله و ما ذلك إلا لفرط السذاجة مع البزرميط الديني الذي هو عليه، فلا فقه و لا فكر و لا اهتمام اللهم إلا ما ورثة من دين أو تلقاه من هنا أو هناك دون تمحيص.
إن لا إله إلا الله التي يعنيها الحديث القدسي و التي تدخل المسلم حصن الله و يأمن بها من عذابه هي العلم بلا إله إلا الله ثم العمل بمقتضى ذلك العلم فبذلك يجد العبد نفسه طاهرا من الشرك و الإشراك و يصبح في حصن الله.
فهل وقف العبد المسلم على أهمية العلم و أنه عليه أن يبتعد عن دائرة العلم المتوارث و عن التقليد الأعمى في دين الله ؟؟؟؟؟ و أن عليه واجبا تجاه نفسه يتحرّى الحقيقة العلمية و الحقيقة الفقهية و الحقيقة الإيمانية لأنه حتما سيقف وحده أمام الله و لن تكون هناك أعذار أو علل و سوف تعلّق ذنوبه في رقبته قبل أن تعلّق في رقبة العالم.
إن حدود مسؤوليتك في المعرفة الدينية لا تنتهي عند حد يعرف، وطالما أننا لم نؤت من العلم إلا قليلا، وطالما أننا مأمورين بإقرأ ومأمورين بالاستزادة من العلم ، وطالما أننا مأمورين بالتّدبر ، وطالما أننا نعلم أن صلاتنا ونسكنا ومحيانا ومماتنا كلّها جميعا لله بلا تمييز بينها اللهم إلا ما كان له وقتا محددا كالصلاة والصوم والحج والزكاة ، وطالما أن نهج الله مع أنبيائه أن زوّدهم علما وحكمة ، وطالما أن الله سيحاسبنا على ما أعطانا من علم وعقل ومال وصحة ، فلا بد أن نجد أنفسنا في حالة استذكار دائم ونفع دائــم لأهل الأرض جميعا وذلك هو الذّكر الدّائم لله وهو العلم الذي تعمر به الأرض ، بدلا من التّفكر في سفاسف من تأويلات التّطرف الذي يغذّيه إبليس مع كساد من نفع في دنيانا التي نحياها حتى خرب العمران وفسدت الهمم وتكلّست العقول عند أحجار من صنع بشر وما هم ببشر لكنهم أبالسة البشر.
وليحاسب المسلم نفسه لماذا يقتنى كل الكتب والمجلات ولا يقتنى كتب الدين ،وما سبب عدم وجود كتاب فقه في بيته، وما سبب مواظبته على قراءة الجرائد يوميا مع التزامه بعدم قراءة القرءآن شهريا ؟؟؟ وما سر محافظته على موعد لقاء الصاحب والزميل مع عدم مواظبته على موعد اللقاء مع الله في الصلاة؟؟؟؟ وما سر همومك في مستقبلك في الدنيا مع عدم اهتمامك بمستقبلك الأبدي في الآخرة ؟؟؟ وما سبب رواج التعليم ألأجنبي لأولادنا ؟؟؟؟ وما سبب إلحاقك لأولادك للتعلم بالمدارس الأجنبية؟؟؟ وما سبب بعد الناس خاصة المتحضرين منهم عن تعليم أولادهم التعليم الأزهري..... وغير ذلك من الأسئلة التي تدل على غياب الوعي العقلي وانعدام التمييز والترتيب للمهمات والمسئوليات وتدل على أن الإنسان نسى نفسه ومآلها ودينه وما يفيده في أمر آخرته.
posted by تصحيح الفكر الدينى @ 6:18 PM   0 comments https://img2.blogblog.com/img/icon18_email.gif
الفصل السادس: الإسلام معنى ومبنى
الإسلام معنى ومبنى
الإسلام كديانة ليست كما يدّعى بعض الأدعياء من كلمات حق يقولونها ولكن يريدون بها باطل فهم كثيرا" ما يرددون ( إن الدين للديان)، نعم الدين للديان ولكن حقيقة قصدهم أن تبقى أيها المتدين بعيدا"بدينك عن ميدان الحياة ، فالحياة حياة والدين دين، ولقد ورد هذا المعنى فى بعض أفكارهم فقالوا لا دين فى السياسة ولا سياسة فى الدين ،واستمر هذا الشعار ردحا" من الزمن يحاول تحييد الإسلام عن ساحة الحياة وحصره فى داخل الشعائر وداخل المساجد فكان أن تخلّفت الأمة لما تم تحييد الديّن ،وكان أن خرب اقتصادها لما تم أبعاد الدين عن الاقتصاد ،وانحدرت قيمة العمل ونتيجته لما تم إفساح الساحة للعاملين بغير وازع من الدين بل وأصبح في أفكارهم أن الدين والتدين والمتدين مصطلحات تنافى التّحضر .
ولقد قرأت الكثير فى معنى الإسلام فما وجدت ملخصا" أو فى مما جاء به الشيخ سيد قطب رحمه الله في كتابه في ظلال القرءان حيث قال ( الإسلام ليس نظاما" لاهوتيا" يتحقق بمجرد استقراره عقيدة فى القلوب وتنظيما" للشعائر ثم تنتهي مهمته ؛ إن الإسلام منهج عملي واقعي للحياة يواجه مناهج أخرى تقوم عليها سلطات تقف وراءها قوى معادية فلا مفر للإسلام لإقرار منهجه الرباني من تحطيم تلك القوى المادية وتدمير السلطات التي تنفذ المناهج الأخرى وتقاوم المنهج الربانى ).
وقد يتصور أحد القائمين على المناهج المعادية لمنهج الإسلام إن هذه دعوة لحرب أهلية ،والإجابة لا إنها دعوة لدفاع أهلي فكرى ضد حرب فكرية شنّها أعداء الإسلام على الإسلام، وصدق هذا المنهاج في نفوس هؤلاء الأعداء المحاربين فتغلغل في عقيدة بعض ممن ينتمون للإسلام اسما" ولا يعرفون آليات تفعليه لا في المساجد ولا خارج المساجد ،فقوى هذا المنهج واستفحل في ديار الإسلام حتى صار فقيه الأمة والعالم والشيخ أقل وزنا" عند عامة الناس من الضابط والسياسي بل ومن الراقصة،بل إن نفير هؤلاء يجتمع عليه من الناس أكثر مما يجتمع عليه نفير المؤذن لأي صلاة ، فهذه هي حربهم الفكرية التي انتصرت عمليا ولابد لأهل الإسلام من حرب فكرية مقابلة حتى تصبح كلمة الله هي العليا ولابد أن يتم تصحيح الميزان الإجتماعى حتّى يصير العالم والشيخ والداعي إلى الله على قمة الهرم الإجتماعى ، ولا يمكن لذلك أن يتم إلا بدعوة فكرية تنبثق من بين ثنايا كتاب الله وسنّة رسوله ، فحينئذ ستجد المناهج الأخرى وقد تم تدميرها وتحطيمها بلا حرب أهلية وبلا خروج على النظام ، ولابد في سبيل هذه الحرب الفكرية من حشد وسائل الإعلام والاتصالات لصالح أصحاب المنهج الصحيح ،وليعلم أهل الحق أن أهل الباطل انتصروا عمليا لما حشدوا لصالحهم جهود الإذاعة والتليفزيون بينما اهتم أهل المسجد بميكروفون المسجد وياله من فارق هائل انتشر به الفسق وانزوت دونه كلمة الحق .
إن الإسلام دين الاستسلام للواحد الخالق الله رب العالمين فى كل ما أمر ، وهو دين للانقياد العملي لتعاليم الله وليس دين ينتقى المرء منه ما يصيب هوى فى نفسه أو ما يرى أنه مناسب له ثم يترك الباقي، ذلك أن المنهج الإسلامي ذي جزئيات مترابطة ومتسقة بتناسق من لدن حكيم خبير فلا يصح من المسلم إهدار جزئية بدعوى أنه يقيم أخرى ، كما أن ولى الأمر عليه جزئيات لابد أن يحققها حتى تتحقق العزّة للدولة ؛وبغير دين الله لن تتحقق العزة للأمة الإسلامية.
والناظر إلى تاريخ العرب يجد أنهم لم يكن لهم ذكر قبل الإسلام، فلما اجتمعوا على دين الإسلام ونفذوه تنفيذا"عمليا" دانت لهم العرب والعجم وصاروا أسيادا" فى هذه الأرض، فلما أصابهم الوهن فى دينهم امتد الوهن إلى عزتهم حتى صاروا بمثل ما ترى.
فالإسلام إيمان بالله ورسوله فيه إصلاح للحياة بمنهج تفصيلي وارد بكتاب الله عز وجل يكمن فى شهادة ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله بمقتضياتها الفعلية التي إن أداها العبد فذلك برهان منه على أنه يشهد ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ، وإن لم يؤدها العبد أو أدى بعضا" وترك بعضا" تشاغلا" وتكاسلا" فذلك برهان منه على عدم اتصال فعله بقوله فى الشهادة بتوحيد الله ورسولية محمد صلى الله عليه وسلم وماذاكم إلا من أمراض القلوب.
وقد جعل الله دواء القلب في الشعائر" من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت فإن فعل العبد ذلك بإخلاص كان ذلك خلاصا" لأمراض قلبه وبذلك يستطيع ممارسة الإسلام عمليا".
لكن أولئك الذين تربوا على موائد الدنيا وجعلوا دينهم فى هامش حياتهم فهم يرون غير ذلك {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ *أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ }البقرة12&11} فمصيبتهم الكبرى ليست في الإفساد باسم الإصلاح فقط إنما تكمن أيضا في انعدام شعورهم بفساد منطقهم وأعمالهم
فهم لا يعلمون قول الحق {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }الصف5
فزيغ القلب عن منهاج الحق يكون بلجوء الناس لمناهج غير منهاج الله وذلكم هو الزّيغ ،ولا يشترط إن يكون الزيغ فى العقيدة فقط إنما يكون الزّيغ فى تعمّد الانحراف عن المنهج الذي وضعه الله وادعى بعض الناس أنهم يؤمنون به، ولكنهم تعمدوا الانحراف عنه، فهؤلاء بطبيعة الحال ومع الاستدامة على هذا الدرب يصبحوا فاسقين .
وترى كثير من الناس لا دراية لهم بقوله تعالى {.....وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }الأنعام43– إنهم تصوروا مع مناهجهم الباهتة أن القرءآن نزل يتكلم عن كفار فى آيات، وعن المنافقين فى آيات أخرى، وعن أهل كتاب فى آيات ثالثة ،ثم عن جنات ورحمات فى آيات رابعة لأولئك الذين شهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدا" رسول الله قولا" (رغم أنّهم لم تكن لهم أي ترجمة عمليه لهذه الشهادة)وما ذلك إلاّ من الهبوط الفكري الذي أصابهم .
ولقد رأيت بعضا" من الوجهاء وقد صاحبتهم فى حل وترحال لا يهمهم إن تأخروا عن صلاة أو تجاوزوا الحدود فى مشرب أو مأكل ممّا حرّم الله ،وهم لا يدركون بذلك أنهم يخرجون عن تعاليم دينهم الذي ارتضوه لأنفسهم ، كما رأيتهم وهم أصحاب رأى يسمع الناس لقولهم وينظرون لإشاراتهم يقولون بأنّ الدين للمشايخ ،أما العلم والتقدم وعمارة الدنيا فهو لهم ولأمثالهم ،تلك هي تصنيفاتهم، وتراهم يقطعون الليل والنهار على هذا المنوال الذي فى رؤوسهم لا يدركون معنى لقوله تعالى {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ }الجاثية23.
ويكمن السر في عدم إدراكهم لمعنى هذه الآية وأمثالها أنهم يصنّفون هذه الآية على أنها من الآيات الموجهة إلى الكفار ، إذ أنهم تصوروا أن بعضا" من آيات القرءان مخبأة فى مصاحف لأناس من الكفّار ( رغم علمهم بأن الكفّار لا يقرؤونها ولا يؤمنون بها)وتلك فى رأسهم مهمة هذه الآيات ، فأي عته شرعي عليه هؤلاء ...؟؟ لست أدرى. إن الله سبحانه وتعالى لم يجعل الهداية فى أن يرفع الإنسان عقيرته وكفّيه إلى السماء ويقول اللهم أهدني.... نعم قد يكون هذا جزءا" من مطلوبات الهداية لكنه الجزء الأخير من مشوار من يبتغى الهداية ،ذلك أن من أنعم الله عليه بنعمة العزم على التوبة لابد أن يعي قول المولى عز وجل {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ *وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }النور55&54}.
إن الله تعالى بيّن أن طريق الهداية يكمن فى طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وإن تطيعوه تهتدوا )، فليس بالدعاء وحده من قلب لاه عن تفعيل كتاب الله وسنة رسوله يقبل الدعاء ويهتدي العبد ،إنما هناك مطالب عملية يجب على العبد أن يفعلها ويتمكّن منها حتّى تتمكن منه ثم بعد ذلك يدعو الله فيستجيب له ، وقد ترى مثلا" فيما يدعى به فى مساجد الأقطار الإسلامية (اللهم انصر الإسلام والمسلمين وأذلّ الشرك والمشركين ) سمعتهم وأمّنت على دعائهم منذ أكثر من ستة عقود ( ستين سنة ) هي مشوار عمري فى الحياة فما أجد إلا أنّ ذلّ اليوم أكبر من ذلّ الأمس وذلّ أمس أكبر من ذلّ سابقه للمسلمين ،وماذاكم إلا لعدم تفعيل كتاب الله لمن يقومون بالدعاء ،و تجد قلوبهم لاهثة وراء مناهج غير منهاج الله ولا يقيمون الصلاة وإن أدّوها .
إن الإسلام هو دين الانقياد لله حال اليقظة والنّوم وحال الحياة وحال الموت، وقد شرح الله تفصيلا" فى كتابه لعباده فى دستور أنزله لهم اسمه القرءان العظيم واسمه القرءان الكريم واسمه كتاب الله قال الله فيه {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً }الإسراء82 ـ وهنا أيضا" قد يتصوّر بعض الواهمون أن القرءآن شفاء ورحمة للمسلمين وخسرانا" على الكافرين وهو معنى فيه منتجع للكسالى الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ، بل رأيتهم يتأوّلون هذه الآية عمليا فى الشفاء من أمراض الجسد كالمغص والرمد ونحوه.
وإن لفظ الظّالمين المدرج في الآية السّابقة وغيرها من الآيات ورد فى كل من حاد من منهاج الله سواء كان مسلما" أو غير مسلم ونضرب لذلك الصنوف القرءآنيه وذلك فيما يجده المسلم فى قوله تعالى :-
*(........تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }البقرة229
*{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }المائدة45
*({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }التوبة23
*{وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }الأنعام129.
نعم قد ينصرف معنى الظّلم إلى الكفر أحيانا" وقد ينصرف إلى عدم تطبيق شريعة الله أحيانا" لكن العاقبة وخيمة، ولا شك أن الظلم منقصة لم يجعل الله لأصحابها شفاء إلاّ التّوبة، لذلك فإن الذين يتعدون ويعتدون على حدود الله بدعاوى الجاهلية أو بدعاوى سياسية أو بدعاوى اقتصادية أو بدعاوى حضارية فهم واهمون بمنهج متصادم مع منهج الله ،وهؤلاء أصحاب خطر عظيم على الإسلام والمسلمين ،وهؤلاء هم سبب ما نحن فيه من ضعف على المستوى العالمي سواء كان ذلك ضعفا" فى هيبة معنوية أو ضعفا" فى قوى مادية ،بل حينما تأوّل بعضهم آية (وننزّل من القرءآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) فصار يستخدم القرءآن ويتعاطاه كدواء لشفاء وجيعته التي يشكوا منها ولم يستخدمه علاجا لفسقه وانكبابه على المعاصي يوميا ومواظبته على عدم صلاة الصبح في موعدها (الفجر) وتأخّره الدّائم عن سماع خطبة الجمعة وتأففه من دخول المساجد وعزوفه عن تلاوة كتاب الله.
وقد يظن ظان أنّ عربان هذا الزّمان مؤمنون لكن أقول له لا ، إنهم مسلمون باللّسان ولم تؤمن قلوبهم بعد فقديما" قال البعض آمنا" فرد الله عليهم بذات ما أقول:- {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الحجرات14
ذلك إنهم كانت تعتريهم رغم إسلامهم سمات الجاهلية وعاداتها، والخوف كل الخوف من أن تتمكن هذه من تلك فيخرج المسلم من الملّة بحبه للمعصية وبعده عن تعاليم الدين فإنك لست ضامن على الله بإسلامك الهش أن تظل محافظا" على هشاشتك الدينية ،بل الأحرى أن تزلّ فى هاوية المعاصي ثم فى هاوية الإشراك بالله خاصة وأن آية فى كتاب الله تقول لك {وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ *وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ }المؤمنون98&97 وأظنّ أن كثير من أهل الإسلام لم يدعو بهذا الدعاء بل وتجدهم لم يهتمّون أصلا رغم أن عدم تدبّر معناها يعنى الحفاظ على ميثاق التحالف مع الشياطين.
والمتأمل لكتاب الله يجد أن الله لم ينادى أبدا" بيا أيها المسلمون إنما نادي المؤمنون إذ أن الإسلام صفة والإيمان عمل ولابد أن يكون للموصوف حقيقة وحقيقتك أيها المسلم فيما تقوم به من أعمال فإن خيرا فخير وإن غير ذلك فغير ذلك .

وهناك دسيسة أخرى بين المسلمين ، فديار الإسلام ضاعت هيبتها حين تم تقسيم الدين إلى عبادات ومعاملات وقسّمت تارة إلى شريعة وحقيقة وقسّم قبل ذلك أهل الإسلام إلى سنّة وشيعة وغيرهما وقسّم أهل السنّة إلى مذاهب كذا تمّ تقسيم الفرق الإسلامية الأخرى وراح الجميع يضرب أعناق بعضهم البعض بغير وازع من دين الله، بل انى قد عاصرت حين اعتدت العراق على إيران حيث خالف جميع العرب ( وهم ينتمون إلى الإسلام ) ، خالفوا دين الإسلام القائل {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }الحجرات9 . فكان ما كان من العرب أن تحزّبوا لصالح العراق المعتدية لا لشيء إلا لأنها عربية بينما إيران فارسية وخالفوا قول رسولهم صلى الله عليه وسلم ( لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى ) ،وحيث كانت الكويت هي فارسة المعونة للعراق فى حربها ضد إيران ..... فكان أمر الله وقدره الذي لابد كائن أن انتهت الحرب بين إيران والعراق، ثم إن هي إلا سنوات قلائل إلا واحتلّت العراق أرض فارسة المعونة ( الكويت ) ،ثم ولأننا جميعا لم نتّبع كتاب الله فقد أذلّنا الله بأمريكا وإسرائيل فهذه تضرب هنا وتلك تضرب هناك فى أولئك الذين قال الله لهم {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }آل عمران103 وقال لهم {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ }الأنبياء92 وقال لهم ({وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }الأنفال46 ولكنهم ذهلوا عن حقيقة شهادة ألا إله إلا الله محمد رسول الله التي يظنون أنهم عليها فلم يطبّقوا أىّ من واجباتها، وذهلوا عن تطبيق آيات كتاب الله ولم يكن لهم أي عبرة فى الآية رقم9 من سورة الحجرات والمذكورة فكان ما كان مما جرى ومما تعلم، فالإسلام دين وحدة وتكامل وطاعة وانقياد وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر وتطبيق كامل فى وضوح لكتاب منشور هو دستور لمن وعى أنه الإسلام....
والفرد المسلم مأمور بمستوى من العمل الإسلامي سطّره الله في كتابه حيث قال {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }القصص77
فذلك المنهج (الإحسان كما أحسن الله) يجب أن يكون شعار المسلم في حال شهيقه وزفيره ،ولن يستطيع المسلم الإحسان إلا مع وضوح المنهج الإسلامي لديه، ولا يمكن له هذا إلا إذا ارتوى بنفسه برىّ العلم، وقال في دعائه مخلصا (ربّ زدني علما) ؛وعمل وسعى في سبيل تحصيل العلم من أهله وأولئك هم عباد الرحمن.
إن صفات عباد الله الذين يتطاولون عسى أن تدركهم رحمته سبحانه وتعالى لهم وصف حدده الله في كتابه عن عباد الرحمن حيث قال في سورة الفرقان الذي يفرّق الله به بين أهل القرءآن وباقي الناس:ـ. (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً{63} وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً{64} وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً{65} إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً{66} وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً{67} وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً{68} يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً{69} إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً{70} وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً{71} وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً{72} وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً{73} وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً{74} أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَاماً{75} خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً{76}) .
فلابد للمسلم من السعي لاكتساب تلك الصّفات العملية وأن يكون من الدّاعين بدعوات عباد الرحمن في كل وقت وحين وليس في دبر كلّ صلاة فقط.
ويجب أن تتسم كل العبادات والمعاملات بالإخلاص لرب الكائنات حيث يقول تعالى {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ }البينة5 ، ولكن الإخلاص لله فى حال دروب الحياة كلّها وليس فى شأن الشعائر فقط ،ولقد تواتر العهد فيما بيننا أننا تصوّرنا العبادة أنها الشعائر ولم نتصوّر أنها الحياة بأسرها وهذا خلط معيب وقع فيه المسلمون جيلا بعد جيل كما لم نحقق الهدف من وجودنا كما أراده الله حيث قال تعالى({وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56 .
فلا نحن حققنا الهدف من وجودنا ولا عملنا بالإخلاص الواجب الذي أمرنا الله به.
ولمّا تواترت العهود والقرون بنا على هذا المنوال حتّى انتهى الأمر إلى زماننا الذي نحيا فيه والحال الذي نعيشه، فلا تكاد تجد راع مسئول عن رعيته يعلّم الرعية هذه المعاني فذبل الإخلاص فى العبادة، وانزوى التوفيق بالتالي ،وترى الناس سكارى فى الحياة ما يدرون الهدف من وجودهم، فأعطاهم إبليس هدفا مغايرا لما أراده الله ؛وكان ذلك الهدف الإبليسى هو استهداف الحياة للحياة واستهداف الرفعة فيها ،وأصبح ذلك هوغاية ما يرجوه الناس ،وظن البعض من فرط جهلهم أن الرفعة فى الدنيا على ذلك المنوال الضحل هي من دلائل التوفيق، وتحطّم ركن الإسلام الأول فلا تكاد الناس تنتبه لمراد الله فيه ، ولم يروا فيه إلا أن الله واحد فى العدد وترى شهادتهم قوليه وليست عملية، وانتبهوا إلى الركن الثاني ( الصلاة) فجاءت صلاتهم تفتقر إلى الإخلاص الواجب المنبثق من شهادة ألاّ إله إلاّ الله محمد رسول الله وظل هذا حالهم حتى أنهم لم يعلموا لماذا سمّيت سورة (قل هو الله أحد .....)باسم سورة الإخلاص رغم كثرة ترديدهم لها فى صلاتهم، وترى المسلم فيهم لا يعلم مقدار حق الله عليه فى الزكاة، ولا وقت إخراجها، ولا نصابها الذي تجب به، رغم أن الزكاة من أركان الإسلام؛ وإذا ما تصادف له بعد عمر طويل أن تيسّر له الحج فهو يتسوّل معرفة واجبات الحج وفرائضه من هنا وهناك ثمّ يذهب إلى الحج ليهتمّ بعودته باللقب (حاج) أكثر من اهتمامه بعودته إلى الله فتراه يسارع بالعودة إلى مراد إبليس.....إلا من رحم الله منهم.
وترى علم الرّجل فى حقه بالزواج من أربع إناث أكبر من علمه بأركان الإسلام ،وترى الآباء يتسوّلون برّ أبنائهم بينما الأبناء لا يكترثون ،وما ذلك إلا لأن أباهم لا يعلم عن الإخلاص (إلاّ إخلاص الصديق لصديقه أو المخدوم لمن خدمه) ولم يعلّمهم ما هو الإخلاص فصاروا عاقّين بالميراث عن والدهم وفاقد الشيء لا يعطيه، وترى المرأة التي تسير فى ركب إبليس رغم صلاتها أو حجابها ......الخ، وهكذا انفصل المظهر والأداء الديني عن واقع الحياة.
وترى المسلمين وهم يعزفون نشيد المعصية صبيحة كل يوم فى وقت صلاة الفجر فلا تكاد ترى منهم من يصلّى الفجر إلاّ القلّة القليلة منهم ،وإذا ما صادف أحدهم صلاة فى مسجد وطلب منه الصلاة على جنازة فإنك تراه يكاد يستغيث بصراخ مكتوم من يعلّمنى صلاة الجنازة الآن (هذا إن كان الموقف الاجتماعي يحتّم عليه صلاتها).
وترى الجميع يردد فى صوت واحد فى تكبيرات العيد (ولا نعبد إلاّ إياه ،مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ، اللهم صلّى على سيدنا محمد.....الخ) وما يملك من مقوّمات الإخلاص حبّة خردل.
الإخلاص العملي لله كعلاج
لكن نعود إلى سؤال ماهو الإخلاص ؟؟؟؟الإخلاص يتلألأ فى قوله تعالى (....وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }القصص77....والإخلاص من أسرار الله يستودعه قلب العالمؤمن.ن .....والمخلصون لا سلطان من إبليس عليهم حيث يقول تعالى (.....كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ }يوسف24..ويقول تعالى واصفا حال إبليس مع المخلصين {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ *إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ }ص83&82 .. والإخلاص من شرائط الإيمان وذلك لقوله تعالى (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً{146}النساء
ويقول تعالى فى شأن أن الإيمان شرطه الإخلاص في سورة الزّمر( إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ{2} أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ{3}
ويقول قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ{11} الزمر11
ويقول {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي }الزمر14
ولقد علّق الله قبول الدعاء على إخلاص الدين حيث يقول تعالى {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ }الأعراف29 ويقول تعالى {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }غافر65.
نخلص من ذلك كله بأنه لا تثمر عبادة بلا إخلاص ولا تثمر شعيرة بلا إخلاص وبالتالي فالجنّة هي ثمرة الإخلاص الذي تخللته شعائر الصلاة والزكاة والحج والصوم وحسن الخلق وبر الوالدين والعفو عند المقدرة وقيام الليل والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.....الخ كل ذلك لوجه الله وكل ذلك حبّا فى الله وكل ذلك مع الإحساس بالتقصير فى جنب الله.
ولمن يريد طلب الإخلاص فيمكنه الطرق على حبّ الله بشدّة، ومن يريد حبّ الله فعليه بالطرق حتى يعرف بين النّاس أنه من أهل الدين ،وأن يصادق المرء لا يصادقه إلا فى الله، ولا يحبّه إلا لرضاه ، وأن يتخذ الشيطان عدوا كما أمر الله بذلك ،وأن يستشعر القرب من رسول الله وعترته أهل بيته الكرام، وأن يعلم بيقين لا يفتر أنه فى حضرة الله فى كل وقت وحين (وهو معكم أينما كنتم )، وأن يستحيى من الله حق الحياء، وأن يعلم فضل رسول الله عليه بيقين مستمر لا ينقطع ،وإذا مات له عزيز فليعلم أن مصيبته فى موت رسول الله أعظم من مصيبته فى موت من يحب ممن هو دون الرسول الأعظم صلّى الله عليه وسلّم ،وأن يصل حزنه على صديقه أو عزيزه بحزنه الواجب على فراق رسول الله كما كان يعيش الصحابة من بعده ،وأن يكون حكما منصفا لله فى كل ما يعرض عليه من أمور الدنيا، وأخيرا أن يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فهو يراه ويراك.
كان ماذكرت هو الإسلام مبنى ومعنى لا ينفصل المعنى عن المبنى ولا يختلط بهما غيرهما فالمعنى هو العقيدة والمبنى هو الإنسان وتدخل الحياة عليهما فتجدهما لحمة واحدة لا تنفك ولا تنفصل بفعل أي فاعل فتثبت بذلك أمام الفتن حتى يلقى العبد ربّه على هذا الحال.
posted by تصحيح الفكر الدينى @ 6:16 PM   0 comments https://img2.blogblog.com/img/icon18_email.gif
الفصل الخامس: فداء السماء لمن...؟؟؟
فداء السماء لمن...؟؟؟
تذكر كثير من التفاسير المعروفة واقعة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وما كان من شأن سيدنا إبراهيم حينما همّ بأن يذبح إبنه الوحيد إسماعيل امتثالا لأمر ربه ـ فترى أهل التفاسير وقد تمحوروا حول قول إسماعيل لأبيه (يا أبت افعل ما تؤمر....الخ) وتراهم وقد عظم فى نفوسهم تضحية إسماعيل بينما لم ير هؤلاء شيئا فى الفتنة الكبرى التي ألقيت على نبي الله إبراهيم وما كان من شأنه من امتثال لأعظم اختبار مرّ على بشر منذ أن خلق الله البشرية وحتىّ يوم القيامة.
ورغم أن الرؤية القرءآنية واضحة فى تبيان عظمة الابتلاء وأن سمو الإذعان لأمر الله كان لإبراهيم قبل إسماعيل عليهما السلام ، إلا أن ما ابتليت به الأمة من حبّ القصص والأساطير وتناحر أهل ملّة الإسلام مع أهل ملّة الصليب واليهود حول الانتساب للذبيح ومن يكون الذبيح الذي ضحّى وأطاع هل هو إسماعيل أم هو إسحق ، فهم يقولون أن الذبيح إسحق بينما نحن نقول أنه إسماعيل، وبينما انشغل المسلمون وأهل الكتاب الأقدمون بهذه القضية نسى الجميع أصل الابتلاء وعلى من وقع البلاء ونسوا حقيقة عظمة الخضوع والطاعة , فنسب كلّ فريق هذا الشّرف لصاحبه فالنصارى قالوا إسحق والمسلمون قالوا إسماعيل كلّ فريق يرى الشرف فيمن انحدر منه نسله ـ وظن الجميع أن التضحية كل التضحية فيمن قال (يا أبت افعل ما تؤمر....الخ).
كما وأن الحرب الغير معلنة على القرءآن الكريم جعلت من إسماعيل عليه السلام أنه صاحب الفداء وصاحب البلاء ـ وأرى أن هذا التأويل فى تعظيم تضحية إسماعيل بما تصاغر معه شأن الابتلاء الواقع على إبراهيم عليه السلام ينبع من الإسرائيليات التي اختلطت بالحقائق والتي انطلت على آباءنا الأقدمين ـ ذلك أن بنو إسرائيل هم أحرص الناس على الحياة ، فعندهم حيث أن الابن هو الذي ضحّى بالحياة فيكون هو صاحب البلاء ،والابن فى مفهومهم هو إسحق ولكن أصرّ الأقدمون من المسلمين على أنه إسماعيل لينتصروا فى المعركة الفرعية التي أنشأها اليهود على حساب عدم تدبّر أهل الإسلام لكتاب الله فيما يخصّ الفتنة وعلى حساب شخص صاحب البلاء المبين وعظمة الإذعان عند صاحب البلاء المبين الذي تحركت السماء له حتّى لا يتعذّب باقي حياته لقتله ابنه الوحيد بيده ـ ولكنّه شأن اليهود دوما فى قلب الموازين وخلط الحق بالباطل ،كما أنه شأننا دوما فى اتّباع سنن من قبلنا شبرا بشبر وذراعا بذراع .
وعن الحقيقة اليهودية فى حب الحياة التي أفرزت الصّراع على دور البطولة هل يكون لإسماعيل أم اسحق عليهما السلام يقول تعالى عنهم:ـ ({وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ }البقرة96
لكن للنظرة الإسلامية شأن آخر فهي دوما تستقى تعقّلها وتعلّقها من القرءآن الكريم وتستمد من عطاياه ثقافتها وتأويلاتها خاصة إذا ما كانت هناك نصوص صريحة وثابتة تؤكد أن صاحب البلاء المبين هو صاحب الفداء وهو إبراهيم عليه السلام وليس إسماعيل .
ولست من محبي المخالفة بلا ضابط لكن حكم القرءآن هو الذي يتحكّم فى العقول والضمائر السّوية وهو ميزان عقل المسلم ولا يكون المسلم أبدا صاحب تعلّق بروايات ضحلة من صنع البشر بل وتخالف كلمات رب البشر.
*فإبراهيم عليه السلام هو الأب الوحيد فى هذا الكون الذي اختبر هذا الاختبار العسير..
*وإبراهيم عليه السلام ابتلى بذبح ابنه الوحيد .
*وإبراهيم عليه السلام ابتلى بذبح ابنه الوحيد بيده لا بيد أحد آخر.
*ولقد ازداد عليه البلاء اشتدادا حين أجابه ابنه الوحيد بقوله ({...... قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ }الصافات102 ولكن إذا ما كان الابن سيصبر فكيف يصبر الأب الذي أجابه إبنه بقوله (يا ابتى).
إن المفسرين لم يستشعروا بلاء الأب ولوعته طوال السنوات التي سيقدّرها الله له ليحياها بعد ابنه الذي سيموت بيده بينما لن يشعر ذلك الابن بشئ اللهم إلا انه الموت الذي يدور على كل منا رغما عنه ، لم يستشعر المفسرون هذا الأمر رغم وجود مقياس قرءآنى فى موضع آخر عن لوعة سيدنا يعقوب لفراق ابنه (غير الوحيد) يوسف عليه السلام ، حتى ابيضت عيناه من الحزن وهو يكظم أنفاس الألم لفقدانه إبنه مع صبره ولوعة عذابه.
إن الجفاف الفكري حين يلحق بالبلاء الواقع على إبراهيم عليه السلام فى الوقت الذي يتعمّق فى إبراز تضحية إسماعيل إنما ينبع من فكر لم يرتوي برىّ القرءآن ....فضلا عن أن تضحية إسماعيل بالنّفس سبق وأن أتمّها أبوه إبراهيم قبله حين قذف به فى النّار لتحطيمه الأصنام ،وقام بها بعده كل حواري الأنبياء ولنا فى ذلك ريادة من صحابة رسول الله الذين ضحّوا بحياتهم في سبيل رفعة دين الله كما تتم التضحية بالنفس يوميا وإلى يومنا هذا ، فترى من يضحّى بحياته فى سبيل الوطن وفى سبيل الشرف وفى سبيل الجهاد بل وترى البنات الفلسطينيات يلبسن الأحزمة النّاسفه ويتركن حياتهن فى الدنيا فى سبيل القضية الفلسطينية ، وهن يفعلن ذلك (سواء أكن صائبات أم مخطئات) من منعطف إسلامي بثّه فيهن مشايخهن فما بالكم بمن يعلم أن أباه نبيا!!!! لاشك أن عليه واجبا فى طاعته كنبي فضلا عن واجبه فى الطاعة العامة له كأب.
وإن دور سيدنا إسماعيل فى أحداث الابتلاء كان دورا قوليا ولم يكن دورا فاعلا وآية ذلك أنه بعدما قال (يا أبت افعل ما تؤمر...) لم ينحني ويذلل رقبته لأبيه عمليا تمهيدا لأمر الذّبح، إنّما الذي تلّه للجبين هو أبوه إبراهيم (فلما أسلما وتلّه للجبين) فلم يقل القرءآن (فلما أسلما وتلّ جبينه) وفى ذلك بلاء آخر من تفصيلات البلاء الواقع على إبراهيم عليه السلام
الدليل القرءآنى أن فداء السماء كان لإبراهيم عليه السلام
*وعودة إلى الدليل القرءآنى الذي يؤكد أن السماء حين أرسلت الفداء إنما أرسلته لإبراهيم حيث يقول تعالى فى سورة الصّافات وهو يقصّ علينا قصّة سيدنا إبراهيم (..فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ{102} فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ{103} وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ{104} قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ{105} إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ{106} وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ{107} وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ{108} سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ{109} كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ{110} إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ{111} وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ{112} .
فالذي يتدبّر الآيات يجد العناصر والدلائل الآتية:ـ
(1) أن أساس سرد القصّة هو تبيان لسيرة سيدنا إبراهيم.
(2) أن توجيه الخطاب بواسطة أمين الوحي جبريل (أو من الله) كان يتم إلى سيدنا إبراهيم (وناديناه أن يا إبراهيم).
(3) أن سياق الآيات حين تم النداء على إبراهيم تتكلّم عن جزاء الصّالحين عموما الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه(قد صدّقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين) ومعناها (قد صدّقت الرؤيا يا إبراهيم فأنت رجل صالح ونحن دوما نجازى الصالحين بالجزاء الحسن) .
(4) أن الذي قام بالبداية الفعلية لأمر الذّبح هو إبراهيم عليه السلام بدءا من تحركه من الشام إلى مكّة لذبح إبنه الوحيد وإنتهاءا بأنه هو الذّى تلّ إبنه للجبين (وتلّه للجبين).
(5) تدلّ الآيات أن صاحب البلاء المبين هو إبراهيم عليه السلام(إن هذا لهو البلاء المبين) لأن أصل الخطاب وأصل النداء كان لإبراهيم عليه السلام فيكون أمر البلاء المبين عائد على آخر ضمير تمت مخاطبته وهو إبراهيم عليه السلام.
(6) إن صاحب الفداء العظيم (وفديناه بذبح عظيم )هو ذاته صاحب البلاء المبين وهو إبراهيم النبي الصّالح الذي صدّق الرؤيا والذي يجازيه الله .
(7) أن الله إمتنّ عليه بالسلام (سلام على إبراهيم) بدلا من حالة الألم والقلق ولوعة الفراق التي كانت ستصاحبه فى حياته بعد أن يقوم بتنفيذ أوامر الله بذبح ابنه الوحيد بيده وعلى ذلك فإن الله لم يقل سلام على إبراهيم وإسماعيل إنما اختصّ إبراهيم فقط بالسلام.
(8) (سلام على إبراهيم*كذلك نجزى المحسنين ) تكرر وصف الإحسان للمرة الثانية لتؤكد الآيات على أن المحسن هو إبراهيم وأن الجزاء (الفداء) كان لأجله.
(9) (إنه من عبادنا المؤمنين) لتؤكد أن كلّ الأوصاف السابقة (من صلاح وإحسان وفداء) كانت لأجل ذلك الشخص الالسلام.عبد المؤمن /الذي تتم مخاطبته بالضمير والإشارة (إنه)...( يلاحظ أن لغة الخطاب للمفرد ) ولم يتم توجيه المدح أو الخطاب لفردين إنما لفرد واحد هو إبراهيم عليه السلام .
(10) أنه نظرا لطاعة إبراهيم عليه السلام لربه فى ذبح إبنه الوحيد فإن الله أنقذ نفس إبراهيم من ألم فراق ابنه بل وفداه بالذبح العظيم وكافأه ببشرى بولد آخر نبيا من الصّالحين وهو إسحق ومن وراء إسحق يعقوب.
(11) إن المتألّم في كامل تلك القصّة هو إبراهيم عليه السلام بدءا من تصديقه للرؤيا ثم رحلته من الشام إلى مكّة لتنفيذ أمر الله له بذبح ابنه وحتى تلّه للجبين ،فيكون الفداء لتلك النّفس المعذّبة منذ أكثر من شهر(مدّة الرحلة من الشام إلى مكّة) وهى نفس نبي الله إبراهيم.
وإنه من عجيب ما رأيت فى فكر المناهضين للأهداف القرءآنية من أصحاب الإرث الديني عن آبائهم، أنّى حينما قرأت لهم الآيات سالفة البيان وفسّرتها لهم قالوا أن الآيات تحتمل الوجهين وجه أن فداء السماء لإبراهيم ووجه أنه كان لإسماعيل فحمدت الله على زعزعة معتقداتهم الموروثة وغير المنضبطة على فقه سليم ورجوت الله لهم حسن التّدبر فى كتابه والهداية إلى صراطه المستقيم.


من هو نبي الله إبراهيم عليه السلام
ومن الجدير بالبيان أن الله اتخذ إبراهيم خليلا وقال عنه أنّه أمّة وأنّه ما كان أبدا من المشركين، و نبي الله إبراهيم هو الذي سبق و صبر على فتنة قذفه في النار لتحطيمه الأصنام.....وهو الذي ابتلى بالطرد من بلدته بعد نجاته من النّار...وهو الذي ابتلى بعقم زوجته سارة فصبر......وهو الذي أبتلى بالأمر بترك زوجته هاجر وابنه الوحيد إسماعيل في واد غير ذي زرع عند بيت الله الحرام ليقيموا الصلاة......وهو الذي أمر بإعادة بناء الكعبة فأتم بناءها فى وسط الصحراء وبين جبال مكّة بلا أدوات ولا معين إلا من إبنه إسماعيل........وهو الذي أمر بذبح ابنه الوحيد بعد أن ساعده في بناء الكعبة.........وهو الذي وسوس له الشيطان ثلاث مرّات كي يثنيه عن ذبح ابنه والامتثال لأمر ربه لكنه رفض وساوس الشيطان وترك مشاعر الأبوّة من أجل طاعة الله ، لذلك لا عجب أن أقام الله شريعة الحج والعمرة على منهاج إبراهيم فى الطاعة كي يذكّر المسلم بمدى طاعة جدّه إبراهيم لربّه وعدم تعلّقه بشيء إلا رضاه واستسلامه الكامل لربه فى كل شئون الحياة ـ كذلك قد جعل الله فى ذريته النبوّة والكتاب تكريما له {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ }العنكبوت27
ولقد جعل الله ملّة إبراهيم هي الملّة التي يجب أن يكون عليها كافة البشر فى عبادتهم لله {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } 161 الأنعام وقال تعالى ({وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ }الحج78
فهل بعد كلّ ذلك نجد من يطمس حقيقة جهاده وطاعته واستسلامه الكامل لقضاء الله لذمّة ولحساب من قال (يا أبت افعل ما تؤمر) لا لشيء إلاّ لكونه ضحّى بالحياة الغالية التي يحرص عليها اليهود من بني إسرائيل كلّ الحرص اليهود من بني إسرائيل؟؟؟؟ .
كما أنه من الجدير بالذكر أن من يمت لا يتألم إلاّ بقدر ما قدّره الله له من الألم وبخاصة إن كان بارا بأبيه محتسبا عند الله روحه مثل إسماعيل عليه السلام، إنما نبي الله إبراهيم هو الذي سيكون حبيس الألم حتّى يتوفاه الله ؛ ولقد سبق لإبراهيم عليه السلام التضحية بحياته فى سبيل الله حين ألقى به فى النار حين حطّم أصنام المشركين فلم تكن التضحية بالحياة فى سبيل الله أمرا غريبا علي إبراهيم ولا أمرا تفرّد به إسماعيل على البشرية أو سبقها إليه ، إنما هي أمر يحدث يوميا وسبقه إليه أبوه خليل الرحمن .

الخلاصة والهدف
من النقاط العشرة سالفة البيان وما تبعها من تفنيد وتعريف بنبي الله إبراهيم ، وجميعها مستمدّه من كلمات الله الواضحات ، يتأكد للمسلم أن فداء السماء كان لسيدنا إبراهيم عليه السلام ولم يكن بأية حال لسيدنا إسماعيل ، وهى آيات لا تحتاج إلى تأويل آخر اللهم إلا تأويل مدمني معاداة كلمات الله لحساب ما ألف عليه أصحاب الروايات المسرحية التي تتصادم مع نصوص كتاب الله ، وإن هدف وضع هذه الروايات المخالفة للقرءآن هو إنكار الحقيقة القرءآنية رويدا رويدا على مرّ الأزمان والعصور حتّى يأتي يوم نجد فيه القرءآن معزولا تلاوة وعملا ونصّا ، وحقا روى عن سيد البشر أنه قال (لتنقضنّ عرى الإسلام عروة عروة فأولها نقضا الحكم وآخرها نقضا الصلاة) .
وعلى المسلم الامتناع عن الاعتقاد فى أي رواية أو نص من النصوص التي تخالف كتاب الله حتّى لا يكون ممن سنوّا فى الإسلام سنّة سيئة أو أعان على سوء فهم كتاب الله أو أعان على طمس الحقيقة القرءآنية، وعليه ألا يرث الاعتقادات بلا عقل وألاّ يذهل عمّا يتلوه من كتاب الله حتّى لا تكون اعتقاداته فى واد وتلاوته للقرءآن وتدبّره فى واد آخر،وليعلم المسلم أن ثوابت الأمّة لابد وأن تكون نابعة من السياق أو التأويل الصحيح لكتاب الله الذي فصّله الله تفصيلا وحفظه من العبث والدّس ونحوه ـ ونسأل الله المغفرة لي وللمسلمين على ما كان من تقصير وخطأ.



الأستاذ المستشار: أحمد ماهر

Friday, September 01, 2006