jeudi 5 septembre 2013

بروتاغوراس


بروتاغوراس
ملحق ثقافي
عقبة زيدان
أطلق على نفسه لقب سفسطائي، أي العالِم. ومن ثم شاعت التسمية، لتنسحب على نمط من التعليم. ولم تكتسب الكلمة معناها السلبي، إلا بعد القرن الخامس قبل الميلاد، أي بعد الهجوم الذي شنه كل من سقراط وأفلاطون على هذه الفلسفة.
ظهر بروتاغوراس كـأول السفسطائيين وأعظمهم، وقد قال: «إن الإنسان هو مقياس الأشياء جميعاً، مقياس الأشياء الكائنة بما هي كائنة، ومقياس الأشياء غير الكائنة بما هي غير كائنة». وبهذا، فإنه أول من رأى أن المعرفة لا تتعلق بالموضوع المعروف فقط، بل بالذات العارفة أيضاً. إنه هو من طرح مسألة المعرفة. وقد أشار في الوقت ذاته، إلى أن مبدأ الأشياء ينبغي ألا يطلب من العالم الخارجي، وإنما من داخل الإنسان. وقد ركز بروتاغوراس على أن كرامة الإنسان تقوم على الرابطة التي تربطه ببني الإنسان الآخرين، وتجعله قادراً على ممارسة الحياة المدنية. فما يرفع الإنسان فوق الحيوان، هو القوانين والمؤسسات الاجتماعية. وإن البشر جميعاً يشاركون بالعدالة بفضل جوهرهم الإنساني بالذات. ادعى بروتاغوراس لنفسه المعرفة في كل الحقول، وجعل الإنسان، نظرياً، مقياس كل شيء. ولكنه أنكر وجود عالم موضوعي مشترك للجميع، وحاول تحطيم التمييز بين الواقع والظاهر وبين الظن والعلم، فأصبحت الحقيقة في نظره ظاهرة في المحسوسات المتعددة، وأمست القيم الأخلاقية متنوعة بتنوع الأشخاص. أبصر بروتاغوراس النور في أبديرا عام 485 قبل الميلاد، وعاش في سيسيليا زمناً، ثم استقر في أثينا، بعد أن اكتسب ثقة حاكمها باركليس. قامت الفلسفة السفسطائية على الإقناع، معتمدة على الإدراك الحسي، وليس على البرهان العلمي أو المنطقي. لذلك فقد اعتمد السفسطائيون على قوة الخطابة والشعر والجدل، فأضفوا الكثير من سحر البلاغة على اللغة اليونانية. حولوا الجدل حول المعرفة من علاقة الذات بالموضوع إلى علاقة الذات بالذات، وصار الرأي أو التخمين معياراً للحقيقة. وبذلك استمدت المعرفة نسبيتها من أصحابها، أي أنها تختلف من شخص لآخر، ويمكن لأحد ما أن يقبلها وللآخر أن يرفضها. أطلق بروتاغوراس مجموعة من الشكوك حول الآلهة المتعددة، أثارت ضجة في المجتمع الأثيني، مما أدى إلى رميه بالإلحاد، فاضطر إلى الهرب من أثينا، تحت الضغوط الكبرى التي هددت حياته. وأثناء مغادرته على أحد المراكب، غرق ومات، في العام 411 قبل الميلاد، وكان عندها في الرابعة والسبعين من عمره. أثرت السفسطائية في الفلسفة النظامية التي قامت بعدها، والتي تمثلت في الثلاثي العملاق: سقراط وأفلاطون وأرسطو. وسقط سقراط ضحية لهذه الفلسفة، حين حاول كشف عيوبها، فاتهم بإفساد أخلاق الشبيبة الأثينية، فحوكم وأُعدم. وهذا إن دلّ على شيء، فإنه يدل على عظم شأن السفسطائيين وقوة نفوذهم في ذلك الزمن. ومع الشرارة الأفلاطونية، وقعت السفسطائية في مأزق، وبدأت بالتقهقهر والانسحاب، إلى أن أخذت بالتلاشي، مع اللهيب الأرسطي. ومع صعود كارل ماركس ونيتشه وفرويد، وهدمهم لكيان القول الداخلي، تعود السفسطائية كفلسفة معاصرة، تستحق القراءة والاهتمام والتقدير.‏

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire