سلسلة في الصميم ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كــــــــــــــتـــــاب ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السّلفيّة هي العدوّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ خمس رسائل ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حمّادي بلخشين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{هم العدوّ فأحذرهم، قاتلهم الله أنّي يؤفكون}
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 2 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرسالة الأولى
لأجل هذا أعتزّ بعروبتي و إسلامي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 3 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{و لله العزّة و لرسوله و للمؤمنين و لكنّ المنافقين لا يعلمون }
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 4 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محتويات الرسالة الأولى
مقدمة من الخائن و من هو عد الأمة ................................................................. 7
فصل/ أ عتز بعروبتي و اسلامي ....................................................................... 11
فصل عولمة الثورة مفخرة اسلامية.................................................................... 17
فصل الإسلام حقيقة علمية................................................................................ 21
فصل / في الحضارة الإسلامية العلم و الدين توأمان................................................ 25
فصل / على خلاف كل النظريات السياسية، الإسلام فقط يصمد اما التجربة................... 27
فصل / أعتز بنبي الإسلام كأعظم انسان، و أشهر مصلح،, انجح رجل دولة ................. 33
فصل /اعتز بمكانة المراة ما قبل تسونامي السلفية................................................ 35
فصل /رب رحيم و دين عظيم و هدف واضح ...................................................... 41
فصل/ أعتز بمراعاة الإسلام خصوصية الإنسان و عدم تعريضه لسوء المعاملة............ 45
فصل اعتز بما أتاحه الإسلام من حرية نقد و تعبير............................................... 47
فصل/ أعتز بمحاربة ثقافتي الإسلامية النزعات العنصرية و اقرارها المساواة بين
الحاكم والمحكوم ........................................................................................ 49
فصل / اعتز بحضارتنا الإسلامية التي تفردت بعملها و لقرون مديدة بمبدأ التعايش
السلمي بين اصحاب الثقافات و الديانات المتناقضة.......................................... 53
فصل / عظمة دستورالمسلمين المتمثل في شريعته المعجزة…………………… 59
فصل / اعتز برؤية الإسلام الإقتصادية……………………………………. 61
خاتمة/أبدا ... لم ندخل الي القرن الواحد و العشرين كما دخـلت ذبابة حجرة ملك...... 65
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 5 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هزيمة
" إنا عزمنا على أن نأخذ كل ما عند الغربييين حتى الإلتهابات التي في رئاتهم و النجاسات التي في أمعائهم "
أغا أوغلي أحمد
من غلاة الكماليين الأتراك
لعنت كل شاعر
يغازل الشفاه و الأثداء و الظفائر
في زمن الكلاب و المخافر
أحمد مطر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 6 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقدمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من هو الخائن؟ و من هو العدوّ ؟
ذات مرة كان هناك قلعة يحكمها ملك خائن و كاهن أعمى، وكان حصنها مثل غربال حقيقي، لكثرة وأتساع ثغراتها، حتى ان اصغر ثغرة فيها تمكّن جملا براكبه من اجتيازها دون صعوبة.
وقد شاع عن بعض المقربين من حاشية ذلك الملك الخائن، ان فتح تلك الثغور المميتة، بذلك الأتساع الهائل وتلك الكثرة الملحوظة، كان نتيجة فكرة ملكية. ففي ذات ليلة سكر الملك و اسرف في الأكل حتى ضاق صدره، و عسرتـنفّسه، فمزق قميصه أوّلا ... بعد ذلك، امر بفتح جميع نوافذ القصر، و لما ازداد صدره ضيقا و تـنفسه صعوبة، أمر بعض العمال بإحداث ثغرات في الحصن. و حين سئل حضرته عن ذلك الإجراء العجيب اجاب بأن ذلك أجود للتهوئة ! .
وقد لقي اقتراح الملك بإحداث تلك الثغرات اجماعا تاما و تأييدا كبيرا،بعد أن بارك الكاهن الأعمى ذلك الإجراء الملكي الشاذ، وعدّه الهاما ربانيا، كما عدّه إشارة على تعلق الملك بخالقه، و ثقته المطلقة بحمايته له و لشعبه! وحين عوتب الكاهن من أحد أتباعه لأجل سكوته عن مخاطرة ملك البلاد بأمن الشعب و أرواح العباد. احمرّ وجه الكاهن، ثم وبّخ ذلك التابع، قبل أن يتلو عليه قوله تعالى(( اينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة)) ثم اضاف مؤنبا: ايها المسكين، لو شاء الله المزيد من قطع رقابنا، بتمكين الغزاة من شعبنا، ما نفعنا أي حصن حصين أو بنيان متين، ولو اراد تعالى سلامة شعبنا من الأعداء، فسيتحقق ما سبق به القضاء، حتى لو سكن شعبنا العراء، و تـلحّف بالسّماء. فما مادمت حمايتنا مضمونة، و أرواحنا مصونة، فكيف نجازف بالقاء بايدينا الي تهلكة محققة، بعصيان اوامر صاحب الجلالة، التي هي عصيان الله تعالى؟" فسكت ذلك التابع مكبرا سعة علم كاهنه الأعمى و شدة يقينه مليكه الفذّ .
وقد بلغ هوان تلك القلعة على الغزاة، انهم كانوا يقصدونها بصحبة عشيقاتهم وهم في حالة سكرمطبق و ليس عليهم سوى ثياب النوم. وكان من عادة الغزاة بعد دخول الحصن، اشعال نار عظيمة، ثم انفاق كامل اليل في الرقص والسكر والعربدة و مطاردة ساكنات الحصن. كل ذلك، فيما كان الكاهن الأعمى يحرّم على ذوي الغيرة من شباب تلك القلعة، تعرضهم الي الغزاة بسوء، ولو بالأيدي العارية. بحجة أن تلك المقاومة غير شرعية لأنها ستتم دون استشارة سيد القلعة الذي غيبه السكر،أو شغلته حالة نسائية عاجلة، عن اتخاذ القرارالمناسب .
وحين يطلع الصباح كان الغزاة يشرعون فورصحوهم من السكر، في تقتيل رجال القلعة، و سبي نسائها و اطفالها، و تدنيس معابدها، وإهانة مقداستها.
ذات مرة، تقدم فتى من سكان القلعة وخطب في الناس، و أكّد لهم ان سلامة القلعة وأهلها لن يتم بغيرإستبدال الملك الفاسد، و كاهنه الأعمى بحاكم حازم و مستشار فطن، يختارهما الناس من بين افراد الحصن ،هذا بعد سد الثغرات. وكانت النتيجة ان قوبل قول ذلك الناصح بالإستهجان، ثم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 7 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اتهم بمعاداة الشعب وخيانته لهم، فتم القبض عليه ثم أعدم في الحال. بعد أن أقسم الكاهن الأعمى لسكان القلعة ان قلعتهم محصنة بما فيه الكفاية، وأن ملكهم المفدىّ، وقائدهم العظيم، قد أوتي من الحكمة والنبوغ، ما يسع قادة الأرض، بل و يفيض على حاجتهم لمدة قرون قادمة, وأن ما تتعرض اليه القلعة و سكانها من غزوات متكررة، و نكبات متتابعة، سببه الفريد تـكالب القوى الخارجية عليها، كما أن النكسات المتتالية مسألة قدرية بحتة يجب التسليم بها وشكر الله عليها, وأن المواطن الخائن الذي حاول بث الفتنة ونشر البلبلبة بينهم مستهدفا الوحدة الوطنية بالتمزيق، وصفوف الشعب للتفريق، بتشكيكه الناس في قدرة الملك، و كفاءة الكاهن الأعظم، قد تبيّن باعترافه، ارتباطه بجهات أجنبية و دوائر خارجية مغرضة، نهش الغيظ أكبادها، لعدم تمكنها من القضاء على القائد العبقري وحرمان البلاد من خدماته الجليلية و سياسته الرشيدة (و ان كانت تلك الجهات الحاقدة قد قضت على ثلاثة ارباع السكان،و مسحت الأرض بالربع الباقي!) .
اذا كانت بلاد الإسلام المخترقة والمتاحة لجميع الغزاة هي تلك القلعة، واذا كان قائد تلك القلعة عبارة عن نسخة كربونية لأي حاكم خائن في بلاد المسلمين. ثم اذا كان الكاهن الأعمى لا يختلف في عماه و جهله عن أي كاهن سلفي برتبة مفتي جمهورية، فهل يشك أي عاقل في أن المنظومة السلفية هي العدوّ الأكبر الذي يجب الإحتراس منه، لأنها من اعطت شرعية البقاء لحكام مفسدين تعاملوا وما زالوا يتعاملون سرا وجهرا مع اعداء أمتـنا عبر قرون متطاولة ؟
ــــــــــــــــــــــ
لم اكتب هاته الرسالة لأدفع عن نفسي تهمة الخيانة والعمالة للأجنبي التي وجهت لي من قبل كثير من القراء الجاهلين، لأن تلك التهمة من السخافة والهشاشة الي حد لا يمكن مقارنتها بغير اتهام النبي يوسف بمراودة متسولة مشلولة،لأن من غير المعقول ان اكون مطاردا من قبل نظام تونسي علماني عميل لليهود والنصارى بسبب مشاركتي في مؤامرة للإطاحة به قصد أسلمة دستور بلادي، و أن أكون في نفس الحين كارها لدين الإسلام و ضائقا بسنّة خير الأنام!. بل أردت برسالتي هذه بناء جسر من الثقة بين ابناء المسلمين الكارهين للتدين( بسبب التشويه السلفي لدين الله) و بين اسلامهم العظيم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 9 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" إني أشكّ في أن رجل الشارع في نيويورك أو لندن أو باريس على علم الآن بما كانت عليه الحضارة الإسلامية من تقدم و ازدهار في العصور الوسطى"
د. أحمد زويل
الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 10 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل
اعتز بعروبتي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دعوني ابثكم اولا اعتزازي بالإنتماء الى الجنس العربي الذي شرفه الله باصطفاء خاتم الأنبياء من ضمنه، وليس مرد ذلك الإعتزازعصبية منتنة اوشوفينية بغيضة، فقد عافاني الله منهما، هذا من ناحية واما من ناحية اخري فلأني أجهل كليا جنس آبائي الأولين، هل كانوا برابرة أو من عرب هاجروا الي الشمال اٌفريقي قبل البعثة النبوية، أو من عرب الفتوحات الإسلامية، أ و من أعراب بني هلال الذين ارسلوا من مصر لتخريب افريقية، أو من بقايا الأتراك العثمانيين، أو من مسلمي الأندلس الفارين الى المغرب العربي من مذبح النصارى... فكل هذا لا يعنيني و لا يهمني البحث فيه. ما دام شرف الإنتماء للعرب قد تيسر لي بمجرد نطقي بالعربية، وفهم مدلولالتها ولو بشكل متواضع,( وأن كان يتيح لي بأن أجعل انوف الكهنة المعممين تحمرّ غضبا لو كتبت عن السلفية!).
إن اعتزازي بسموّ اخلاق العرب الجاهليين، و افتـتاني بروح الفروسية لديهم ، وبشعور النجدة و الشهامة و إحساسهم بالمسؤولية تجاه الضعيف والمنقطع، تجعلني( حتي بلا اسلام) افاخر جورج بوش و توني بلير و جاك شيراك، ثم اعجزهم عن الأتـيان بنموذج يقارب عروة بن الورد، أو الشنفرى، او تأبط شرا او حاتم الطائي او عنترة بن شداد و لو استعانو بجميع دفاتر الوفيات التي تغطى عصورهم اليونانية و الرومانية و المسيحية و البربرية المعاصرة(1) مجتمعة.
لقد كان العرب في جاهليتهم ذوي عفة عن المحارم، ولم تكن العلاقات الجنسية غير المنضبطة شائعة بينهم، شأن الأمم الأخرى خصوصا الأمم الغربية التي يعد اللواط من صميم " ثقافتها". كما كان اللوطية صفة غالبة لأبرز مفكري الغرب ( من افلاطون سقراط الي اوسكار وايلد) (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) " أمريكا هي البلا د الوحيد الذي انتقلت من البربرية الى الإنحطاط دون مرحلة حضارية بينهما " أوسكار وايلد.
(2) " و كان عشق الغلمان موجودا بين آلهة اليونان[!] كما كان الحال بين الناس، فنجد مثلا أن جوبيتير كبير الآلهة يقع في غرام راع جميل هو"جانيميد "، وقد تعلّق به تعلّقا شديدا على الرغم من علاقاته الجنسية العديدة مع الكثير من النساء، كما كان نيتون اله البحر يعشق غلاما يدعى " بيلوبس" وأبولّو اله الشعر يعشق "هياكنتس" وهكذا وعلى العموم فقد " شاع الشذوذ الجنسي في العصور التاريخية القديمة حتى صار قانونا من قوانين أثينا. و كان الشائع عند قدامى اليونان أن أشدّ الشعوب مقاومة و صلابة في الحروب هي التي ينتشر فيها حب الشبان للشبان حبا جنسيا. و أن جيشا يتألف من شبان يحب بعضهم بعضا هذا الحب لا يقف أمامه أي عدوّ مهما كان بأسه و قوته بل انه يستطيع أن يغزو العالم أجمع !"... كما كان الرئبيس الأمريكي ابراهام لنكولن (محرّر العبيد!)، من أهل اللواط المعدودين، لا ينافسه في تلك الوضاعة سوى الأنكليزي المسمى بلورانس العرب مواطن الأديب أوسكار وايلد المعروف ذلك الداء عافاكم الله. و قد كثر اللواط بين ساسة امريكا حتى أجبر الرئيس الأمريكي روزفلت كل نائب جديد على القسم بأنه ليس شيوعيّا و لا لوطيّا... غير أن الطبع غلب التطبّع، فسرعان ما عاد الأمر الى علنيّته حتى أصبح لأهل اللواط جمعيات ومنظمات تتكلم بإسمهم، و تروّج لشذوذهم، و تطالب بحقّ زواج الذكر بالذكر"... و كثير ا ما كان يحدث أن يتزوج رجل بغلام و أن يجري هذا الزواج الغريب في حفل يشبه الحفل الذي يقام للزواج =
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 11 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكان استعراض النسب، و تعديد أسماء الآباء( وصولا الى الجد العاشر وربما ابعد من ذلـــك بكثير) أكثر ما كان يفتختر به العربي، في معرض دفاعه عن آبائه الأقدمين تهمة السفاح المحرّم, في حين يجد الرجل الغربي في قرننا الواحد و العشرين، مشقة وجهدا في تحديد اسم جدّه (1) .
كما كان العربي يسمى كل امرأة غريبة خالة،ويرى نفسه ملزما بصيانة عرضها و الذود عن شرفها (2) و لعل ما حدث لأم المؤمنين ام سلمة يجيبنا عن سؤال: لماذا اختار الله تعالى رسوله من الجنس العربي. و موجز القصة أن آم سلمة حين أسلمت لقيت عنتا من قومها الى حد صممت فيه على الهجرة الى المدينة بمفردها, وعند مغادرها مكة لقيها احد المشركين، و لما علم بغايتها هاله أن تسافر بمفردها و تعرض روحها و شرفها الي المخاطر فأصر على تأمين رحلتها الى المدينة. قد استغرقت تلك الرحلة شهرا كاملا رأت فيه من ضروب تعفف الرجل، وغض البصر ما أثار دهشتها، مع الإشارة الى كونها رضي الله عنها كانت من ذوات الجمال الفائق و الحسن البارع.
كما بلغ احساس الرجل الجاهلي بالمسئولية و تحمل تبعات أعماله، أوجا منقطع النظير. فقد كانت البغي تفصل عن المجتمع و تجعل لها راية حمراء تعرف بها, و كانت اذا وضعت حملها تقوم بجمّع من وقع عليها من طالبي اللذة، وبعد ان تقدرمن تسبّب في حملها, تلزمه بنسبة الوليد اليه فيقبل ذلك طائعا و يلحقه بنسبه,هذا في حين نجد الرئيس بيل كلينتن يتملص من تبعات نزواته الجنسية و يعجز المحاكم الأمريكية على اثبات بنوة من نسب اليه من لقطاء, كما نجد الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران يصر على عدم الإعتراف بابنة له من علاقة غير شرعية، ليلجا في آخر حياته الى استقبالها سرا في الأروقة الخلفية لقصر الإليزيه! و قبيل موته وحين حرر وصيته لم ينس ذكر اسم كلبه الذي يجب ان يسير في جنازته، ولكنه نسي اسم ابنته فلم يكلف نفسه اعادة الإعتبار اليها بالأعتراف بها حتى بعد موته!
كما كان العربي يتحلى في جاهليته بقدر عظيم من عزة النفس الى حد عدّ فيه الموت على الفراش سبّة, في حين يعتبر الرجل الغربي ان الكلب الحي أفضل بكثير من الأسد الميت ,و لئن يكون المرء جابنا بمقدار دقيقة افضل من ان يكون ميتا طوال عمره !(3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=العاديّ " .و قد كثر اللواط في ساسة امريكا حتى أجبر روزفلت كل نائب جديد على القسم بأنه ليس شيوعيّا و لا لوطيّا .. غير أن الطبع غلب التطبّع، فسرعان ما عاد الأمر الى علنيّته حتى صارت لأهل اللواط في الغرب جمعيات و منظمات تتكلم بإسمهم و تروّج للشذوذهم و تطالب بحقّ زواج الذكر بالذكر ؟
(1) ذات مرة " سخر الكاتب الفرنسي بول بورجيه ... من الأمريكيين بقوله : ان الأمريكي حين يجد متسعا من الوقت فانه يبحث عن اصوله و اصول جدوده. و لما قرأ الكاتب الأمريكي مارك توين ما قاله بورجيه أجاب " هذا صحيح ...لكن الفرنسي يقضي كل وقته للبحث عمن هو ابوه " ( اكتشف في السنوات الأخيرة أن احد ملوك اروبا قد نسب الي غير ابيه لإن والده الحقيقي كان طبيب الأسرة! فاذا كان الملك في اروبا لا يعرف اباه فكيف بالسوقة ؟!)
(2) " كل ذات صدار خالة " مثل عربي
(3) It is better to be a coward for a minute than dead rest of your life و نظيرهذا المثل سيكون شائعا لدى المسلمين بعد اختلاط العرب بغيرهم من الأمم ذات الخصائص غير العربية الأصيلة حيث نجد من يبرر هروبه من المعركة قائلا " لئن يقال فر لعنه الله أفضل من ان يقال مات رحمه الله !"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 12 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كما كان الإحساس بضرورة نجدة المظلوم ونصرة المضطهد و منح حق اللجوء الإنساني, خلقا متأصلا لدي الجاهلي، الى حد يبعث على اعتبار بعض ذلك السلوك ضربا من السذاجة، ونوعا من الغفلة،(ان كان يبدو كذلك، فانه يخفى شعورا تضامنيا اصيلا لا يتحلى به غير نبلاء الناس) من ذلك اصرار اعرابي على منح الحماية لسرب جراد حلّ بفنائه، فمنع غيره من التعرض اليه، كما أصرّ اعرابي آخر على حماية ضبع لجأت الي خيمته من مطاردة الصيادين، و قد دافع عن محميته التي لجأت اليه ورأى حمايته لها دينا عليه!( وان أتت حركته تلك على حياته ــ قتلته أثناء نومه! ـ، ليكون عبرة لمن قدم مساعدة لمن لا يستحقها ( جزاه جزاء مجير ام عامر) . (1)
ومن شرف الجنس العربي ما قرأناه من تذمر بعض كفار قريش من المقاطعة الظالمة التي فرضوها على رسول الله وصحابته، ثم كيف نجحوا في فك الحصار عنهم رغم بقائهم على كفرهم. و لشد ما نعجب من شهامة من عرض نفسه لغضب زعماء قريش ووهب الحماية لأبي بكر الصديق, كما يبدو لنا تضامن الشعراء تأبط شرا و السليك بن السلكة و الشنفرى عظيما حين بلغ بهم الشعوربنجدة الضعيف الى الإغارة على الأغنياء ورد ما يستخلصونه منهم على الفقراء. فيقول احدهم :" أقسّم جسمي في جسوم كثيرة " في اشارة منه الى تقسيم زاد الفرد الى عدة افراد، في حين نجد أمريكا تلقي باطنان القمح في البحر حتى لا ينخفض سعره في السوق ونجد ايطاليا تعدم الأبقار الزائدة كي لا تتأثر اسعار الأجبان في الأسواق في حين يهلك مئة ألف نسمة يوميا جراء سوء التغذية أوانعدامها.
و فيما بقيت المرأة الغربية اسيرة وصاية الرجل الى عهد قريب، فلم تتمكن المرآة الفرنسية من فتح حساب جار الا سنة 1965، نجد خديجة بني خــويلد تديرفي جاهليتها مكتبا للتجارة الخارجية و توظف رجالا ذوي عدد (اشهرهم سيد البشرية) ليكونوا لها عونا في تجارتها!.
وفيما كانت المرآة الغربية حبيسة بيتها لا تغادره الا ثلاث مرات. مرة عند التعميد ومرة عند الزواج و مرة محمولة على الأعناق(2)، بل كانت اللعنة تلاحقها حتى و هي داخل بيتها حيث كانت وساختها الروحية و الجسدية تفرض على من ساكنها في بيت (ولو كانت في طابق آخر)ان يغتسل حتى يذهب عنه لعنة مساكنتها ! و حين كانت التجمعات تعقد للبحث عن كنه طبيعة المرأة أإنسانية هي أوشيطانية، كانت المرأة العربية تتوج ملكة كما كانت, قائدة عسكرية و شاعرة تتقدم الرجال في سوق عكاظ، ناقدة و شاعرة(3) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) اذا كان حكام آل سعود يسلّمون حجاج بيت الله الحرام (من المعارضين المسلمين المطلوبين من قبل بلدانهم) الي النظم العربية لتقوم باعدامهم فورا، فلئن هؤلاء الحكام السعوديين يفتقرون الي شرف الجاهلي و خلق المسلم .
(1)" a women is to be from her house three times, when she is christened, married and buried"( the Wordsworth Dictionary of Proverbs A lexicon of folklore and traditional wisdom G.L.Apperson )طبعة 1993 صفحة 704 فنلندا
(3) و لعل فرجين وولف كانت تعني الغربيات من بني جنسها لما قررت بان المرأة كانت مجهولة خلال معظم فترات التاريخ For most of history anonymos was a womanوألا فلو كان لديها ادنى اطلاع على تاريخ العرب قبل الإسلام لكان لها رايا آخر .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 13 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي حين نجد الأمريكي "المتحضر" ينزعج من قدوم والدته عليه وقت طعامه، فيضن عليها بصحن من الحساء لا يكلفه دولارا واحدا، نجد الجاهلي يشعل النار في اعلى الجبل كي يهدي عابري السبيل الي مائدته العامرة. وقد يبيت جائعا ليشبع ضيفه :
ولقد ابيت على الطوى و أظله
حتى انال به كريم الماكل !
و حين نجد الغربي ينتهز فرصة مغادرة جاره بيته ليثب على زوجته، نجد فارس عبس يحترم آداب الجوار و يقول مفاخرا :
و اغض طرفي ما بدت لي جارتي
حتى يواري جارتي مأواها !
و على العموم، فان منظومة الأخلاقية والآداب ـ سلوكية التي تحلى بها العربي في جاهليته، يفتقد الرجل الغربي (الذي اهلته قوته المادية الغاشمة ليكون وصيا على البشرية) جزء من المئة منها.
و لو فاخرنا الغرب بتراثنا الجاهلي ــ دع عنك تراثنا الإسلامي ــ في مجال احترام الذات الإنسانية لقطعناه .
و لو أضلتني السلفية كما اضلت الملايين من ابناء المسلمين، فكنت ملحدا، لما كنت معتزا بغير قيم عروبتي ورموزها الشامخة. لأن معيار الأفضلية لدي أي انسان شريف، هو مدى تكريمه للأنسان و التضامن معه، ودفع الضرعنه و، ومشاركته في محنته. ذلك هو معيار الإسلام في الحكم على خيرية أودونية فرد ما، فأفضلية المسلم لا تحددها كمية محفوظاته بل نفعه للناس(1) كما اعتبراسلامنا العظيم ان الغافل عن اطعام المحتاج مكذب بدين الله(2) لأجل ذلك كان ابو العلاء المعري يشفق كثيرا عل كهان السلفيية يوم يعرضون على الحساب وقد فرطوا في امانة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) " خير الناس انفعهم للناس " حديث نبوي
(2) قال الله تعالى : (( أرايت الذي يكذب بالدين، فذلك الذي يدعذ اليتيم، و لا يحض على طعام المسكين ))الماعون 1ـ3" و قد تكون هذه مفاجأة بالقياس الي تعريف الإيمان التقليدي، و لكن هذا هو لباب الأمر و حقيقته، ان الذي يكذب بالدين هو الذي يدفع اليتيم دفعا، أي الذي يهين اليتيم و يؤذيه، والذي لا يحض على طعام المسكين، ولا يوصي برعايته، فلو صدّق بالدين حقا، ولو استقرت حقيقة التصديق في قلبه، ما كان ليدعّ اليتيم، وما كان ليقعد على الحض على طعام المسكين. ان حقيقة التصديق بالدين ليست كلمة تقال باللسان، انما هي تحول في القلب يدفعه الي الخير والبرّ باخوانه في البشرية المحتاجين الي الرعاية والحماية. والله لا يريد من الناس كلمات، انما يريد منهم اعمالا تصدقها، والا فهي هباء لا وزن لها عنده ولا اعتبار. وليس اصرح من هذه الآيات الثلاث في تقرير هذه الحقيقة التي تمثل روح هذه العقيدة و طبيعة هذا الدين اصدق تمثيل"إهــ سيد قطب في ظلال القرآن ص 3985مجلد 6 دار الشروق البعة 15 لسنة 1988
و للأجل ان الله سبحانه و تعالى لا يريد من الناس مجرد حركات شعائرية لا تكون مصحوبة[ كما هي عند سواد مسلمي اليوم) باي كراهية للطغيان و للمفسدن في الأرض( الذي هو لب الإسلام و جوهر الرسالات السماوية) ، جاء فرض الصلاة و سائر الشعائر بعد سنوات طويلة قضاها الصحابة في ممارسة شعار لا اله الا الله أي في رفض الطاغوت و الكفر به وفي استفزازه و التحرش به و في تسفيه عقول قياداته القرشية المسعورة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 14 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التبليغ و في واجب التصدي للذئاب الملكية المسعورة فقال:
ولم آمن على الفقهاء حبسا
إذا ما قيل للأمناء جوزوا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 15 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كم من غزاة للرسول كريم
فيها رضى للحق أو إعلاء
كانت لجند الله فيها شدّة
في اثرها للعالمين رخاء
طلبوا من الحرب السلام و طالما
حقنت دماء في الزمان دماء
أحمد شوقي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 16 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل
عولمة الثورة مفخرة إسلامية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اذا كانت عشرات الملايين من البشر في سائر اقطار الأرض تهيم حبا بتشي غيفارا، فتلهج باسمه و تردد سيرته، و تنقب في بطون كتب التراجم علها تجد من عايشه أو رأى من عايشه، أو صحبه او صحب من صحبه يوما او بعض يوم .
اذا كان الواحد من تلك الملايين يود لو سنحت له فرصة الحج الى موطن تشي غيفارا للتبرك بالسماء التي اظلته، والأرض التي أقلته، استزادة منه لمعرفته و التعلق بشخصيته( التي تترجم احيانا بوشم صورته على السواعد و الصدور و المؤخرات، وارتداء الملابس المحلاة بطلعته و العارضة لصورته التي غدت رمزا لتحدى الصلف الرأسمالي عموما والبلطجة الأمريكية خصوصا.
اذا كان هيام الملايين برجل لو امتد به العمر و لم تخترمه رصاصات فرقة الإعدام ذات يوم من سنة 1967 .. و لمّا تكتمل مسيرة ثورته لكان اليوم نسخة كربونية من زميل كفاحه و رفيق نضاله الدكتاتور الكوبي فيديل كاستر، و لما كان اختلف عنه كثيرا في استبداده بالرأي و قتله لمواطنية بالشبهة و كبته لأبسط الحريات في بلده، ثم في غرقه الى الأذقان في المفاسد الخلقية و الإسراف في الملذات على الطريقة البرجوازية التي هب لحربها (1).
قلت ، اذا كانت عشرات الملايين من شتى الأجناس قد اولت ذلك القدر الهائل من التكريم و الإهتمام لشخص تشي غيفارا الذي لو امتد به العمر، و نجا من تصفية زميل كفاحه له، ثم خالف سنة القيادات الشيوعية امثال ستالين و لينين و خروتشوف في قهر الشعوب و حرمانها من المتع المادية و الإحتياجات الروحية، ليصير صنو عمربن الخطاب في فرض العدالة الإجتماعية و الرفق بالرعية. لو فعل ذلك وكان في عدل عمر و رحمته، لما طالت تلك العدالة، ولما تجاوزت تلك الرحمة سكان كوبا، الجزيرة المجهرية الملقاة في خليج المكسيك .
اذا كانت عشرات الملايين قد رفعت تشي غيفارا الذي ابدى نظيره فيدال كسترو من الإستبداد و الجور و سوء السياسة ما جعله اضحوكة للعالمين و جعل بلده موطنا للمعذبين بسبب فشله الذريع في احترام حقوق الإنسان و سقوطه المريع في تطبيق برنامج التنمية الإقتصادية لجزيرة صغيرة مما جعله مادة تـندر لعقلاء العالم (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أما كون تشي جيفارا هجر رفيق كفاحه فيدال كاسترو بسب انحراف الأخير عن اهداف الثورة و سلوكه مسلك الترف و عبادة الذات ففيه نظر، و لعل سر تخلي تشي فارا عن صديق كفاحه اخذه بمبد الثورة تاكل ابناءها، اي ادراكه ان كاستروا لن يتحمل من هو في مثل شهرة تشيفارا قبل ان يصفيه.
(2) من جنون فيديل كاسترو قطعه للإشجار المثمرة التي تشكل مصدر عيش سكان كوبا، ثم زراعته للفت السكري! و كانت الحصيلة الفجائعية عدم بروز عيدان السكر( لعدم ملاءمة المناخ لذلك النوع من الزراعة) بالإضافة الى خسران ما كانت تغله الشجار المثمرة!!. ليصدق على كاسترو المثل الغربي القائل: لا ماءك ابقت ولا حرّك[ فرجك] انقيت, و لو شئت فقل، لقد صدقت عليه حكاية ألإعرابي الطويل القبيح الذي تزوج حسناء قصيرة و جميلة، و قال سوف يرث ولدي الطول عني و الجمال عن امهم، فكان ان أنجب اولادا ورثوا القبح عنه و القصرعن امهم !.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 17 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اذا كانت الملايين قد سلبت عقولها نضالات تشي غيفارا، الذي كان اقصى ما سيقدمه لكل عامل كوبي بيتا نموذجيا لا يختلف عن بيت رفيقه في شيء، الي حد انه لا يحمل اية بصمة من شخصيته، ليقايض به حريته وكرامته واشواقه الروحية. واذا وجدت تلك الملايين ما يكفي من المبررات لتعتز بنضالات شخص وحيد، جعل نفسه رمزا لعولمة الثورة، حين شارك هموم الثورة الكوبية على الرغم من كونه ارجنتينيا. ثم اذا بالغت تلك الملايين في الإعتزاز والإحتفاء بشخصية تشي غيفارا، الى حد رفعه الى مصاف آلهة الإغريق المزعومة، وجعله رمزا لما تصبو الي تحقيقة من تغيير نحو الأفضل، فكم يكون مقدار اعتزازي، أنا المسلم، بالإنتماء الى أمة ضاربة الجذور في التاريخ، حافلة السجلات بأسماء عشرات الآلاف من الأبطال الفاتحين، و المناضلين االأمممين الذين شكلوا أول ثورة تحرير عالمية خالية من الأطماع الأرضية ... ثورة تسير"عبر منهج انساني متشوق الى الأفضل[ ثورة تضع نفسها] في خدمة الفضيلة الشجاعة التي تقود الى تبني الخير من أجل كل انسان في العالم. [انطلاقا من] ان الإنسان وحده هو جوهرة الله، و الباقي مجرد خرز ملون، و مجموعة من الأطماع الصغيرة و الحيل السياسية ووسائل كسب العيش من أي باب و الجري و راء الجاه أو الثروة " إهــ(1) حتى نال هؤلاء العظماء شهادة حكماء الغرب و منصفيهم بان" التاريخ لم يشهد فاتحا ارحم امن العرب" (غوتساف لوبون) (2)
فكيف غابت عن ابناء المسلمين حقائق كالشمس في ضحاها، حين ذهلوا عن عالمية ثورة الإسلام لتحرير الإنسان، حتى لو تمسك بدينه بعد دفع الجيش الإسلامي دماء ابنائه في سبيل انجاز تلك المهمة النبيلة؟ كيف غفلوا عن تلك الحقيقة الى حد كتب فيها احدهم " كان تروسكي أول من اكد على عولمة الثورة بقوله ان الإشتراكية لا يمكن ان تنجح في بلد واحد، وانما يكتب لها النجاح فقط عندما تسود في كل العالم. و من هنا جاء بفكرة الثورة الدائمة، أي على الثورة ان تستمر حتى تسود الإشتراكية كل العالم. وهذا ما ادى الى اغتياله بايعاز من ستالين الذي خالفه في ذلك"(3) و لكن الهزيمة النفسية لبعض ابناء المسلين من اليائسين من الحل الإسلامي الذي جعلت الظلامية السلفية من بينه سدّا و من خلفه سدّا، هو الذي دفع خالد القشطيني وامثاله من المفتونين بما لدى الغرب، الى ارجاع عولمة الثورة الي الزعيم الماركسي ذي الأصول اليهودية . و للقشطيني بعض العذر لو سلك ذلك المسلك الخاطىء، بعد ان جعلت المنظومة السلفية (أو أهل السنة و الجماعة) من عملية محليّة الثورة ( فضلا عن عالميتها)أمرا محظورا و حجر محجورا، بل وحرّمت الثورة على المستوى الفردي، جاعلة من احتجاج المظلوم على ذابحيه و التذمر من سالبيه، جريمة تذهب بدينه ودنياه، بموجب شعارها الأمني المريع (والمغلف مع كل الأسف الشديد بسنة المصطفي) :" من فارق الجماعة قيد شبر فميتة جاهلية " و المقصود بالجماعة، مواطنون
أذلاء يسوسهم حكام فاسدون " تربطهم جثث كثيرة" بكهنة سوء ساكتين, (لعل اشرف تلك الجثث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الصادق النيهوم.
(2) و كيف لا يكونون كذلك، وهم الذي كانوا يغشون الوغى و يعفون عند المغنم، فلا يستبيحون المدن المفتوحة لمصادرة مال او هتك عرض، بل يكون كل همهم التسبيح و الإستغفار، لما قد يكونوا وقعوا فيه من سقطات انسانية, اثناء القتال((اذا جاء نصر الله و الفتح و رايت الناس يدخلون في دين الله افواجا فسبح بحمد ربك و استغفره انه كان توابا )) النصر
(3) خالد القشطيني جريدة الشرق الوسط عدد 9474 بتاريخ 5/11/2004) لأن وضع عولمة الثورة (في مجال التطبيق) لا تخدم اليــهود الذيـــن يريدون خـــلق جبهتيم متصارعتين( رسمالية و شيوعية) يكونوا هم المستفيد الأكبر من ذلك الصراع .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 18 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جثة عبد الله بن الزبير، والحسين بن علي الذي وان فاته شرف السبق في الخروج على حكام الجور، فانه لم يفته شرف التأكيد ( من خلال امضائه بدمه الزكي على وجوب الثورة رغم قلة العون و الناصر، اذا كان الأمر متعلقا بإعادة الإعتبار الى فريضة اسلامية كالشورى وقيمة حيوية كالحرية) و في سياق الحديث عن ثورة الحسين، اذكر انه حدث لما زار احد قادة منظمة التحرير الفلسطينية الصين" و التقى الزعيم ماوتسي تونغ، قال له علمني الثورة فردّ[ عليه] ماو كيف اعلمك الثورة و عندكم ثورة الحسين بن علي و معركة كربلاء؟! "(1) .
فقوامة الإسلام على النوع البشري اقتضت منه ( وهو التجمع الخيّر النبيل) المسارعة الي نجدة الملهوفين باعتبار " أن أول خصائص المجتمعين على الحق، أن يسوسوا به انفسهم و غيرهم " دافعا دماء الأفاضل من ابنائه مهرا في سبيل تحرير المستضعفين في الأرض " (2).
" إن اصحاب محمد أسدوا للحياة صنيعا لا ينسى فضله، يوم صنعوا من حطامهم جسورا عبرت عليها الأضواء و المروءات الى العراق و الشام و غيرها من البلاد التي رزحت آمادا طوالا تحت وطأة القياصرة و الأكاسرة. و كم نودّ لو أن قوة أخرى تتكون في هذه العصور الحديثة لتنقذ العالم العاني من عراك الجبهتين المتطاحنتين على قتله و أكله " (3(
و لكم حقن المسلمون فترة بقائهم في الأندلس ( على الرغم من ضعف أدائهم و صراعهم هناك على الحكم و خسيس المطالب) دماء الملايين من المسيحيين التي كانت ستجريها القيادات المسيحية هناك لولا الوجود الإسلامي، و لكم حقن الحكم الإسلامي دماءا غزيرة سفكت بمجرد افلات المارد الإسباني من الوصاية المسلمة عليه, ليفتتح مع النصارى من بني جنسه مذبحة استعمارية عالمية اسفرت عن مقتل 500مليون من ابناء المستعمرات المنكوبة بهم ( في اضعف التقديرات الأروبية 350 مليونا من القتلى).
ان اختيار الإسلام للحرب كان الحل الذي لا بد منه لصنع السلام العالمي, فالحرب في شرعة الإسلام وسيلة لغاية نبيلة، لأجل ذلك كانت اخلاق محاربيه سامية و نبيلة و هو يسعون الي ذلك الهدف النهائي، مسترشدين بنصائح قياداتهم الرشيدة (4) التي لا تنفك عن التذكير بأن تقوى الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سري سمور، ثورة الحسين عربية اسلامية و انسانية. آراب تايمز.
سرق الشيعة ثورة الحسين و نسبوها الى طائفتهم مشوهين بها دين الحسين، كما اتخذت طائفة السنة و الجماعة من مسألة خلق القرآن مأثرتها الكبرى و من احمد بن حنبل رمزها الذي لا يجارى رغم سكوته و اسكاته الناس عن ظلم الحكام .
(2) محمد الغزالي: التعصب و التسامح بين المسيحية و الإسلام ص 15
(3) نفس المصدر ص 163
(4) لن تجد ضمن هؤلاء المحاربين الأبرار " قائدا يطارد غلاما ليفسق به [كما فعل قائد امريكي في الفلبين و غير الفلبين] أو جنودا ينظم لهم البغاء و تمهد لهم الجريمة و يباح لهم النهب " حتى في الحملات الصليبة كان البغاء موجودا، عن وقائع سنة 586هجري كتب المؤرخ بن كثير " استهلت سنة ست و ثمانين و خمسمائة و السلطان محاصر لحصن عكا وامداد الفرنج تفد اليهم في البحر في كل وقت حتى ان نساء الفرنج ليخرجن بنية القتال و منهن من تاتي بنية راحة الغرباء لينكحوها في الغربة، فيجدون راحة و خدمة و قضاء وطر، قدم اليهم مركب فيها ثلاثمئة امرأة من احسن النساء و اجملهن بهذه النية فاذا وجدوا ذلك ثبتوا على الحرب و الغربة " ( انظر البداية و النهاية ص 866ج12)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 19 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أفضل العدة على العدو و اقوى المكيدة في الحرب ، و لا تعملوا بمعاصي الله و انتم في سبيل الله " (1).
و لن تتمكن مركبتنا الإنقاذية من التحرك من جديد لتعوض الة الغرب الهمجية بقصد ادراة السياسة العالمية مالم يقع ازاحة الإرهلاب العلماني الحاكم والمدعوم بالسلفية الغبية، خصوصا و قد تعاظم كما سترون بعد قليل ضررالنظام العالمي الجديد، الذي يعد من بعض "انجازاته" هلاك مئة الف من البشر جوعا يوميا ,هذا بالإضافة الى فقدان الحريات العامة, و الكرامة الإنسانية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وليست تعليمات تشرشل و سياسته المرتكزة على قوله الشهير" أنا أحالف الشيطان في سبيل الوصول الى اهدافي " وقوله الآخر" أنا لا أفهم هذه الحساسية المفرطة، تجاه إستخدام الغاز السامّ ضد الشعوب غير المتحضرة".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 20 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل
اعتز بأن إسلامنا حقيقة علمية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" سيجد القارىء الكريم تصويرا للتطابق الكبير غيرالعادي، بين العلم و النص المنسوب الى الله باعتبار أنه كلام الله في القرآن الكريم، سيجد القارىء الكريم ايضا اضافات يضيفها العلم الحديث الى آيات معينة بالقرآن الكريم لم يكن تصوّر معانيها العلمية متاحا وممكنا، قبل وصولنا الى حقائق عليمّة معينة في العصر الحديث، و لماذا يلزم أن نندهش و نعجب لهذا، عندما نعلم انه في رحاب الإسلام نجد ان الدين والعلم توأمان متلازمان "(1)
بهذه العبارات الموجزة افتـتح الجراح و العالم الفرنسي موريس بوكاي Maurice Bucaille (2) بحثه العلمي الشهير " التوراة و الأناجيل و القرآن الكريم على ضوء العلم الحديث " منطلقا من فكرة إن الكتب المذكورة لو كانت من عند الله حقا، فلا يمكن بحال من الأحـوال ان تزودنا بمعلومات خاطئة،وأفكار بدائية تـتناقض مع روعة تناسق الكون و تكوينه المعجز. وقد اسفرت نتيجة بحوثه على صمود كل ما ورد في القرآن الكريم من اشارات علمية على محك التجربة و الحقيقة العلمية، في حين بان خلل ما في التوراة والإنجيل منذ الوهلة الأولى. لأجل ذلك قرر الباحث في ختام دراسته أن "القرآن الكريم قد تضمن كثيرا جدا من الحقائق ذات الإتصال الوشيج بحقائق العلم، وهي كثيرة جدا، و هي اكثر بكثير من تلك الموجودة بالأنجيل، و لا وجه للمقارنة بين العدد الضئيل و المحدود من الحقائق العلمية المذكورة في الإنجيل، مع تعارضها مع حقائق العلوم الوضعية. والعدد الكبير من الحقائق العلمية الموجودة في القرآن الكريم، مع اتفاقها و اتساقها مع معـطيات و حقائق العلوم الوضعية. إن الحقائق ذات الصفة العلمية الموجودة بالقرآن الكريم يستحيل نقضها أو بيان أي خطأ فيها من وجهة نظر العلوم الوضعية" (3)" و لقد قــمت بفحص و دراسة نصوص القرآن الكريم بهذا الصدد بروح موضوعية تماما و بدون اية افكار أواحكام مسبقة. و لقد كنت ابحث في حقيقة الأمر عن مدى اتفاق نصوص القرآن الكريم مع معطيات العلم الحديث. و لقد كنت قد عرفت من ترجمة معاني القرآن الكريم، أن القرآن الكريم فيه كثير من الإشارات الى الظواهر الطبيعية natural phenomena و لكن لم أحظ إلا باشارة موجزة الى ذلك. وعندما فحصت نصوص القرآن الكريم كما هي باللغة العربية فقط استطعت أن احتفظ بقائمة للظواهرالطبيعية الكثيرة التي اشار اليها القرآن الكريم و يتعين عليّ في النهاية و بعد هذا الفحص الدقيق الشامل، أن أعلن النتيجة الحاسمة التي وجدتها امامي : وهي ان القرآن الكريم لا تتضمن نصوصه خبرا واحدا يمكن نقضه من وجهة نظر العلم الحديث ""The Quran did not contain a single statement that was assailable from a modern scientific point of view" و لقد كررت نفس الإختبار فيما يتعلق بالعهد القديم The Old
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) موريس بوكاي ص 30 التوراة و الأناجيل و القرآن بمقياس العلم الحديث.
ترجمة على الجوهري مكتبة القرآن للطبع و النشر و التوزيع طبع بمطابع ابن سينا بالقاهرة .
(2) موريس بوكاي : جراح فرنسي شغلته المقارنة بين الأديان عن مهنة الطب و الجراحة فكرس عشرات السنين من انضج سني عمره لدراسة التوراة و الأناجيل والقرآن الكريم في محاولة جبارة للمقارنة بين الأديان و على وجه الخصوص اديان التوحيد الثلاثة وهي اليهودية و المسيحية و الإسلام" من مقدمة المترجم على الجوهري للكتاب المذكور
(3) موريس بوكاي مصدر سابق ص 27
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 21 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Testament، و فيما يتعلق بالأناجيل The Gospels محتفظا بنفس النظرة المـوضوعية في البحث و الفحص و التدقيق، و فيما يتعلق بشأن التوراة، لم احتج ان اذهب الى اكثر من السفر الأول من اسفار التوراة و هو سفر التكوين Genesis لكي اجد احكاما و معطيات توراتية لا تـتسق اطلاقا مع الحقائق العلمية المسلـّم بصحتها تمام التسليم The cast iron facts في العلم الحديث. و عندما نشرع و نبدأ في دراسة الأناجيل تجابهنا في الحال مشكلة عويصة خطيرة على الصفحة الأولى نجد سلسلة انساب المسيح... ان العلماء مثلا ليس لديهم الآن تاريخ محدد لبدء ظهور الإنسان في الوجود على الأرض, الا ان العلماء قد اكتشفوا آثارا لأعمال بشرية تحدد وجود الإنسان على الأرض قبل الألف العاشرة لميلاد المسيح عليه السلام، دون أي شك في ذلك، و بناء على ذلك، لا نستطيع علميا قبول صحة ذلك النص الموجود في سفر التكوين الذي يعطي انساب و تواريخ ترجع بـظهور الإنسان و خلق آدم في تاريخ يرجع الى حوالي سبعة و ثلاثين قرنا قبل ميلاد المسيح عليه السلام، وربما يستطيع العلم في المستقبل ان يحدد لبدء ظهور الإنسان فوق الأرض تاريخا آخر غير الذي توصل اليه العلم حتى الآن، و لكنا لا نستطيع ان نطمئن الى انه يمكن بأي حال اثبات أن الإنسان قد ظهرعلى سطح الأرض منذ 5736 سنة كما يقول التاريخ العبري في 1975 ! و بناء على ذلك تكون المعلومات المستمدة من التوراة عن بدء ظهور الإنسان فوق سطح الأرض بالقطع غير صحيحة "(1)
و يظلّ القرآن الكريم مبهرا و متألقا و سابقا لزمانه، كما يبقى معجزا و حاضرا على الساحة يعطي لكل جيل حظه من الإعجاز الإلهي، هازئا من عبث التأويلات العجائبية الداروينية و تبسيطها لمصدرية الحياة و أصل الأنواع (2) و تعاملها الساذج مع بناء انساني شديد التعقيد و مذهل التركيب (3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) موريس بوكاي ص 27
(2) " عندما ركب تشارلز داروين زورقه و جاب البحار بحثا عن أصل الأنواع و حقيقة الخلق كان مؤشر الزمن يشير الى منتصف القرن التاسع عشر. في ذلك الزمان كان مدى فهم ووعي داروين مأسورا بمدى التقنية العلمية الإبتدائية التي جعلته يعتقد ان خلية الأجسام الحية تشبه طوبة البناء لا أكثرولا أقلّ ! لذلك جاء بناء داروين لنظريته عن اصل الأنواع، بدائيا متوافقا مع معلوماته عن طوبة البناء فلم يكن الميكروسكوب مكتشفا بعد، اما الجراثيم فكانت في عالم الغيب ... نظرية داورين تحولت الى اديولوجية تخدم اهداف من يعتقد بعبثية الخلق وعدم و جود الخالق وهدف للخلق، فجاءت البراهين المحرفة لإثباتها، بل ان هيئات عالمية مشهورة نذرت نفسها للترويج لها و تفصيل ثياب المكتشفات اللاحقة من اجل تغطية سوءتها. بعد تطور التقنية، تم اكتشاف الخلية و نواتها التي تحمل الخصائص الوراثية لكل مخلوق من الفيروس مرورا بالإنسان وانتهاء بالحوت الأزرق ... ومن أجل الخروج من مأزق سطحية داروين، تفتق ذهن من يعتنقها بتبني مبدأ الطفرة، وان تطور جميع المخلوقات على النحو التي هي عليه الآن، هو نتيجة طفرات لا نهاية لها، لكن قدرات الخلية الحية أظهرت للإنسان عظمة خلق الخلية بعد اختراع الحاسب الآلي، فعلى سبيل المثال، يقوم الحامض النووي DNA (الذي هو بنك المعلومات الذي يحتوي على جميع معلومات و خصائص الكائن الحي بما يعادل مليون صفحة أي ما يقرب من 1000 مجلد ) بعملية استنساخ هذه الكمية الهائلة من المعلومات بنحو عشرين دقيقة ... يستطيع بيل غيتس صاحب الميكروسوفت وهي شركة لإنتاج برامج الحاسب الآلي اخبارنا عن امكانية أن تكون برامجه التي تعتبر بدائية مقارنة مع برامج الخلية، قد طورت نفسها من تلقاء نفسها! و أنه ــ بالتالي ـ يكسب الأموال نتيجة لطفرات تحالفه دون غيره ! بالطبع سيرفع بيل غيتس قضية ضد من يتهمه بذلك، و سيكسبها بالتأكيد، و يكسب ملايين الدولارات ...أما خالق هذا الكون فلن يرفع قضية ضد من يدعي بعبثية الخلق و تطوره صدفة، بل سيمهلهم الى يوم الحساب و لن تفديهم اموال الكون لتخليصهم من حكمه النهائي "( فهيم منذر تعليقا على مقال "العلم و الإيمان سيدنا آدم يصارع داروين في امريكا" لغسان الإمام جريدة "الشرق الأوسط" ا بتاريخ 24/11/2005)
(3) تحت عنوان" علماء ميكانيكا و هندسة الطيران [ يقولون:] الأنف البشري به دوامات هواء أعقد من =
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 22 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و لكن اعتزاري بالإسلام الذي لا يتطرق الشك الى مصدريته, لن يشغلني عن المطالبة بممثلين جدد له، ممثلين في مستوى عظمته، و سمو اهدافه، كي يتبنوا حقائقه كما ارادها الله لا كما ارادتها الملكية الفاسدة وطيور البطريق السلفية العرجاء. ممثلين يمتازون بالشجاعة وسعة الأفق, حتى يحولوا شعاراته الى واقع معاش، بعد عجزالمنظومة السلفية المتطفلة على السنة النبوية، عن استيعاب اهدافه فضلا عن تحقيقها، بعدما حصرت دورها، على التبشير بايمان شفوي بارد و مبتوت الصلة بالواقع السياسي المؤله للحكام. مما هيّأها كي تكون صالحة للتبشير بأي دين ما عدا دين الإسلام،خصوصا حين اخفقت في استيعاب حقيقة جوهرية متمثلة في كون وجود الخالق بديهة اثبتها تعالى لعوام الناس عن طريق الفطرة, ولخواصهم عن طريق العقل (( أفي الله شكّ فاطر السماوات و الأرض))(1) لأجل ذلك لم يكن الإقرار بوجوده تعالى يكفل بادراج المرء في عداد المسلمين،بل جعل كراهية ثم حرب من نازع الله صلاحية التشريع للناس هي المؤهل الأول للدخول في دين الله .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= عواصف تحيط بطائرة جامبوا " كتبت جريدة "الشرق الأوسط " في عددها 9538 بتاريخ 8/1/2005 ما ياتي " قال علماء بريطانيون أن الأنف البشري اعقد بكثير من طائرة الجامبو و بالأخص من جناحها الذي تدور حوله التيارات الهوائية العاصفة. واضافوا في مقال نشر في مجلة "ساينس"العلمية انهم نجحوا في بناء نموذج لأنف بشري مجسّم، و تمكنوا من فهم حركة الهواء و قطرات المياه داخله وقال" بوب شروتر" البروفيسور في "امبريال كوليدج" بجامعة لندن الذي قاد البحث، ان الفريق العلمي حاول فهم ما يدورفي داخل الأنف سواء عند التنفس الهادىء او الرشح القوي" ووظف العلماء خبراتهم في ميكانيكا البيولوجيا و هندسة الطائرات والفضاء لوضع نموذج شفاف للأنف البشري، و تمكنوا بالإعتماد على كاميرات رقمية سريعة، التقاط صور لمناطقه ووضع خريطة لحركة الهواء والمياه فيه، ودراسة الرشح المصاحب للزكام و سبل التخلص منه، و تعتبر ديناميكية السوائل داخل الأنف، الأكثر تعقيدا في الجسم البشري، وهي أعقد من مثيلتها في القلب، اذ يحتوي الأنف عل بنية تشريحية تسبب دوران المياه و دوامات خفيفة " إهــ
(1) لأجل أن غريزة الإيمان بالله قد ركبت في الآدميّ مع سائر الغرائز كحب البقاء والتملك...، فلا فضل لأحد باكتشافها لكون، فمجرد التباهي بها لا يختلف عمن تباهى بملكية حفنة تبر أمام من يقف معه على هضبة من ذهب! مما جعل امرآة ساذجة (هالها ذات مرة تدافع الناس على جنازة عالم قيل لها أنه وجد الف دليل على وجود الخالق) تقول" مسكين ذلك الرجل لقد اضاع عمره باطلا، فهل أن وجود الله يحتاج الى دليل"؟!.
فوجوده تعالى بديهة شاركنا فيها كفار قريش{ و لئن سألتهم من خلق السماوت و الأرض ليقولن الله } و من قبلهم ابليس { خلقتني من نار و خلقته من طين } .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 23 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ٍScience has not found a substitude for God
لم يجد العلم بديلا عن الله ( ( Henry Drummond
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Science without religion is lame . Religion without science is blind
العلم بلا دين أعرج و الدين بلا علم اعمي ( ألبارت انشتاين ـ 1879/ 1955)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التلميذ : أخبرني والدي ان أصل الإنساد قرد
الأستاذ : تلك مسألة عائلية تخصكم!!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 24 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل
في حضارتنا الإسلامية العلم و الدين توأمان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من دواعي اعتزازي بهذا الدين احترامه للعلم والعلماء، تشجيعه على البحث في شتى مجالات المعرفة،هذا في حين يعتقد الغرب بضرورة تـناقض ما بين العلم و الدين، استنادا الى موروثه الأسطوري اليوناني (الذي يحفظ تاريخ صراع الآلهة ـ المزعومة ـ مع الإنسان، قصد قهره و إحكام الوصاية عليه و حرمانه من المعرفة التي تمكنه من الإستقلال عنها, في مقابل نضال الإنسان قصد إفتكاك المعرفة من تلك الالهة الحقودة!.) وفي حين يعتقد الغرب،استنادا الى تراثه المسيحي المحرف(1) و تاريخه الكنسي المظلم والمشحون بعداء رجال الكهنوت للعلم و العلماء و سفكه دماءآلاف منهم، بتهمة مخالفة ما جاء في الكتاب المقدس من معلومات كشف العلم زيفها، أو بتهمة تطاولهم على الذات الإلهية، بابتكار مخترعات لم تشر اليها الأناجيل!( الى حدّ ضج الناس من الدين و التدين و خططوا للإطاحة بالمؤسسة الملكية و الكهنوتية معا تحت شعار اشنقوا آخر ملك بامعاء آخرقسيس، بعدما ايقن ذوو الحجى ان المؤسسة الكنسية حجرعثرة في طريق العلم والتقدم و حرية الإنسان و كرامته.
اذا كان الفكر الغربي قد حسم مسالة تـناقض دينه المحرف مع العلم،( وتلك مسألة غربية لا تعنينا) . فقد أثبت الإسلام عمليا، و من خلال تاريخ العلمي الطويل ان العلم و الدين توأمان سياميان(2)
وقد بلغ تكريم العلماء في الإسلام الي حد اعتبر فيه مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء حسبما ورد في نص الحديث النبوي.لأجل ذلك" ازدهرت علوم الجغرافيا و الكيمياء و الطبيعة و البصريات و الطب و الجبر والهندسة وعلم الإجتماع، حتى صارت بلاد المسلمين قبلة لطلبة العلم يؤمونها قصد المزيد من المعرفة, و كان من ضرورات العصر تعلم اللغة العربية التي كانت لغة العلم ... ومنذ القرن العاشر، فرض المسلمون على الأطباء ضرورة اجتياز امتحان طبي قبل السماح لهم بممارسة المهنة، و كان تعليم الأطباء يجري في مستشفيات خاصة في المدن الكبيرة و لقد طور الإخصائيون في هذه المستشفيات فنون الجراحة كما جرى مراقبة ووصف مراحل تطور الأمراض المختلفة... وفي الواقع ان الصيدليات كمؤسسات طبية هي ابداع عربي ...[ كما] افترض العلماء العرب ان الأرض كروية منذ القرن الحادي عش.ان انجازات كوبرنيكوس و كليبر ما كان يمكن لها ان تكون بدون الأعمال التأسيسية للفلكيين العرب (3)" و كانت بغداد مركز العالم خلال الفترة من العام 750 الى العام 1258 حين قام المغول بتدميرها في الوقت الذي كان فيه اهل شمال أروبا يهيمون على وجوههم، و يكتسون بجلود الحـــيوانات(4) و قد شبههم القاضي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الذي يرجع حرمان آدم من الجنة رغبته في الأكل من شجرة المعرفة التي حرمها الله عليها و خشية ان يشاركه المعرفة فيكون نظيره في العلم! .
(2) كما جعل المولى تعالى من العلماء اشد الناس خشية له{ إنما يخشى الله من عباده العلماء } وهذا شأن العلماء على اختلاف مللهم، يقول الدكتور روتز الكيميائي الفرنسي اذا احسست في حين من الأحيان ان عقيدتي في الله قد تزعزعت، وجهت وجهي الى اكاديمية العلوم لتثبيتها "
(3) و(4) المستشرقة الألمانية سنغريد هونيكه. شمس العرب تشرق على الغرب على التوالي ص 225/215ثم 223
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 25 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صاعد بن احمد الى انهم " اقرب الى البهائم منهم الى البشر، فإفراط بعد الشمس عن مسامات رؤوسهم، برّد هواءهم و كثف وجوههم، فصارت كذلك امزجتهم باردة، وأخلاقهم فجّة، فعظمت ابدانهم، وأبيضت ألوانهم، وانسدلت شعورهم، فعدموا بهذا دقة الأفهام وثقوب الخواطر، وغلب عليهم الجهل والبلادة، و فشا فيهم العمى والغباوة "(1)
و لئن اعتززنا بحث إسلامنا على طلب العلم و تكريم أهله. فاننا نأسف كثيرا للزائدة السلفية التي علقت بديننا العظيم فشوهت معالمه، وألحقت به الخراب، حتى قبحته لأولى الألباب (2).
و لئن كانت السلفية غريبة عن السياسة غربة بقرة في برلمان, فانها غريبة و غير متجانسة مع اسلامنا العلمي غربة انسان العصر الجحري على ظهر سفينة فضائية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سنغريد هونيكه شمس العرب تشرق على الغرب على التوالي ص215ثم 223
انظر ايضا كتاب من روائع حضارتنا لمصطفى السباعي، و كتاب الإسلام و اروبا لأنجمار كارلسون .
(2) لكم تشتد فتنة ابناء المسليمن و ضيقهم باسلامنا العظيم حين ينبري سلفي جهول ليدعي بان الأرض تستقر على قرني وعل( رواية عن احمد بن حنبل!! ) أو حين يطالعهم سلفي آخر( مفتي السعوديةعبد العزيز بن باز ) لينفي كروية الأرض!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 26 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل
بخلاف كل النظريات السياسية، الإسلام فقط يصمد أمام التجربة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" النظرية شيء غالبا ما تقـتـله الحقائق"
اذا كانت الملايين قد لهجت بحب الثائر الأرجنتيني تشي جيفارا، صاحب النظرية الثورية التي لقيت فشلا ذريعا عند التطبيق، فكيف يكون اعتزاز المسلم بإسلامه، و قد أمّنت ثورة الإسلام العالمية رعايا الأمم المفتوحة من خوف، و اطعمتهم من جوع، بل وزوجت عزابهم، في حين كانت جيوش الإحتلال الغربي تصادر نساء البلاد المفتوحة، وتبيح المدن المستسلمة لجنودها يعيثون بها فسادا في عملية احتلال قذرة الوسائل، دنيئة الغايات، رغم مزاعمهم الكاذبة بانهم قدموا من بلادهم للأخذ بيد تلك الشعوب الي مدارج الحضارة و العيش الكريم، و لعل شهادة المستعمر الفرنسي كوستاف لوبابان صاحب كتاب "الباشا الكلاوي"(1) خير شاهد على تلك الهمجية والقسوةالتي شقيت بهما بلاد المغرب. فقد أورد في ص 15 من كتابه المذكور ما يأتي" لقد كانت العدالة أول معروف ينتظره منا المغاربة، وأول وعودنا لهم، وفي مقابل ذلك، كانوا يعبّرون لنا عن عرفانهم وولائهم. إلاّ ان ذلك من جانبهم لم يدم طويلا، إذ سرعان ماتبينوا أنّ العدالة كانت أكبر خدعنا لهم. ومما يحضرني في هذا الصدد، صورة بعث بها اليّ أحد أصدقائي المغاربة مؤخرا وهي لقصر العدالة في الدار البيضاء، و قد جرى تبييضه كليّا بالجير على الطريقة الشرقية، و قد كتب هذا الصديق على ظهر تلك الصورة :" قبر مبيّض"!، وان هذه السخرية السوداء، لمما يكشف في وضوح عن مشاعر محمميّينا " كما كتب في ص 62 " فعبثا يحاول البعض خداع هذا الشعب الحليم الذي وعدناه بالعدل، فلم نحقق له منه شيئا. فهو يرى و يسجل و يحفظ، و كل ذلك في انتظار ساعة القصاص"إهـ بعدما اجتمع على الشعب المغربي ظلم المستعمر الأجنبي و اذنابه المحليين من أمثال الباشا الكلاوي(1) ليرسما معا صورة بالغة البؤس يصفها لنا الكاتب الفرنسي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الباشا الكلاوي [توفي 1956 ] كان باشا مراكش قاتل الثائرين على المستعمر الفرنسي كما ناوأ الحركة الوطنية ( الزركلي .الأعلام ج1ص 82) . من اقوال الكلاوي لمسئول فرنسي كبير[ الجنرال دوكان ] " يمكنك ان تمضي و انت مطمئن الى اني لن اكون في غيابك أقلّ فرنسية منك !. و لما قال له الصحفي الفرنسي هنـــري دقراي انتم صديق فرنسا قاطعه قائلا : بل انا فرنسي و لو مس فرنسا مكروه فنفس المكروه يمسّني (ص 70 )( كوستاف بابان "الباشا الكلاوي" ترجمة عبد الرحيم حزل ص 68/70 ) و قول الكلاوي لا يبعد عن قول " المناضل " الجزائري عباس فرحات " فرنسا أنا !)
من اعجب ما جاء في الكتاب المذكور و في ص منه 43 خبر " شيخ اقطاعي مجرم في مراكش جيء له و هو يصلي بمتهم , و نظرا لما عرف عنه من استعجال في تنفيذ العقاب الذي ينزله بضحاياه لم يشأ ان يقطع صلاته لمعاقبة ذلك المذنب فقد رفع يده الممسكة بالسبحة الى عنقه اشارة الى الجلاد الذي لم يتردد في ذبح المتهم"
(2) رغم الإستقلال المزعوم فلا يزال المسلم يقتل في سجون بلده بأيدي أجنبية قدمت من وراء البحار لشد أزر الإرهاب المحلّي الحاكم، هاكم شهادة طبيب امريكي من بقايا اصحاب الضمائر الحية قد أرقه ظلم ساسة بلاده و همجيتهم الي حد كتب فيه:
" كان ديلاور في الثانية و العشرين من عمره يعمل مزارعا و سائقا لسيارة اجرة، عذبه الجنود الأمركيون حتى الموت لخمسة ايام كاملة في نقطة اعتقال باغرام في افغانستان، في كانون الأول / ديسمبر من العام 2002 عندما وضع الجنود كيس الرمل لتغطية راسه، قيد فيما بعد وعلق من يديه لساعات، و حرم من الماء، و ضرب بشدة لدرجة ان ساقيه اصبحتا بحاجة الي البتر لو انه بقي على قيد الحياة، عندما ضرب بالهراوة=
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 27 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حين تعرّض للظلم الإقتصادي، و كيف يستغل عرق صغار الفلاحين المغاربة بدناءة لا نظير لها " ففي كل صباح،[ و كما جاء في صفحة 131] ياتي الساحة الصغيرة في موكب مثير للشفقة اولئك المساكين والبؤساء الذين يكوّنون ثلثي ساكنة مراكش، والذين يعيشون بفضل العناية الإلهية الخارقة، على حفنة من الدقيق و بعض قطرات الزيت [ ثم يصف الكاتب، و بشكل مطوّل، انتهازية و جشع كبار التجارالمغاربة المرتبطين بالمستعمر، ليخلص الى القول]: و لكم يشق علينا ان نصدّق ان الحماة المتحضرين الذين كلفوا بالتطهير و نشر العدل و توفير اسباب التقدم، وغير ذلك من الهراءات البلاغية التي ينادي بها الجنرالات في جداول اعمالهم، كما ينادي المدنيون في خطاباتهم الجوفاء بكونها مقدسة، قد كرسوا هذه العادات الوحشية [أي ظلم الفلاحين] ومكنوا لها اسباب الإستمرار. فطيلة عشرين عاما لم تعمل الإدارة الوصية على معالجة هذه الإستغلالات البشعة للبؤس، وهي االتي كانت من السهولة عليها قمعها، فمن موظفيها من يعمل على مبعدة ثلاثين مترا من سوق هذا البؤس "(1) " ولو جازف هؤلاء البؤساء المستغلين بالإحتجاج فان بعض اللطمات او بعض الضربات من راس شرطي، كفيلة بانهاء المشكلة، وكيف يتيسر وقف تلك الإنتهاكات والفرنسيون بشهادة المؤلف وراءها فقد ذكر في سياق حديثه عن الباشا الكلاوي(اكبر اعوان الإستعمار في المغرب)" ان المراكشيين يمقتونه و يبدون كأنهم يحترمونه لأننا نقف من ورائه"إهــ, و لئن فرضنا جدلا ان الباشا فقد عون المستعمرفلن يفقد دعم البرلمان الفرنسي في عاصمة النور" اين اتخذ الباشا من بعض اعضائه أعوانا على ظلمه لما " أدرك هذا الداهية ان دعم الرباط غير كاف، وان عليه ان يستعين في باريس ببعض البرلمانيين الإنتهازيين تلك المجموعة التي اطلق عليها تيودور ستيك اسم قبيلة كلاوة على ضفتي وادي السين "( نفس المصدر) .
و قد اعترف الكاتب ان ظلم المستعمر الفرنسي قد تجاوز ظلم الملوك المحليّين بمراحل عديدة حيث كتب في ص 151 " كان في مقدور الضحايا يومئذ ان يرفعوا شكاواهم الى العرش و يجدون من يصغي اليهم. ففرنسا لم تكن امسكت بعد بقرني البقرة ليجري حلبها, و :اننا لم نجىء الى المغرب كغزاة أو حماة إلا للتشجيع على اتيان هثل هذه الأعمال الشائنة والتي كانت شبه مستحيلة أو يصعب القيام بها باكثر جدّا مما اصبح عليه الحال الآن " إهــ
ذلك هو البون الشاسع بين حضارة اسلامية تخص كل البشر بعدلها و رحمتها، و بين حضارة غربية ذات ديمقراطية غير قابلة للتصدير خارج بلاد الغرب و حقوق انسان لا تشمل غير الإنسان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= اخذ يصيح " الله، الله" الأمر الذي وجده حراسه ممتعا جدا، فأخذوا يضربونه اكثر فقط ليسمعوا صوته وهو يصيح . خلال استجوابه الأخير، قال الجنود للسجين المصاب الهاذي بأنه سيتلقى الرعاية الطبية بعد الجلسة . و بدلا عن ذلك، اعيد الي الزنزانة و قيد بالسلاسل الي السقف، بعد عدة ساعات وجده الطبيب ميتا. بحلول ذلك الوقت كان المحققون قد وجدوا أن دويلار بريء، وقد تم اعتقاله ببساطة بعد قيادته سيارة الأجرة الجديدة في المكان الخطأ و في التوقيت الخطأ ... في الحقيقة كان سجين آخر، حبيب الله، قد توفي في النقطة نفسها بظروف مشابهة قبل ستة ايام من موت دويلار" إهــ الدكتور. ستيفن هـ . مايلز ٍ Steven H. Miles" خيانة القسم، التعذيب و التواطؤ الطبي و الحرب على الإرهاب" ص 93 ترجمة فايزة المنجد الطبعة الأولى 2007 الدار العربية للعلوم ـ ناشرون
(1) بؤس بلغ حدا اصبحت المتاجرة فيه بالشرف ضرورة حيوية لأهالي البلد، من ذلك ما أورده الكاتب في ص 124" فمراكش قرية كبيرة للشهوات ياتيها الناس من اماكن بعيدة طلبا للذات المتيسّرة فيها، فهي تضم ازيد من ثلاثة آلاف ماخور من معلن و سري، أو ما يقرب من ذلك، فلا تعرف عددها على وجه التدقيق ".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 28 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأروبي حضارة تسعى للــقتل و السلب و التدمير الجسدي والمعنوي لأبناء محميّاتها، فها هو الجنرال الفرنسي الرهيب شارل ديغول( الذي قتل الملايين في تونس و الجزائر، حيث كان يدخل المسلمين مغارات و كهوف ثم يوقد النار في داخلها فمن بقي فيها اختنق، ومن خرج منها احترق) يتحسّر من منفاه البريطاني ( الذي هرب اليه بعد احتلال بلاده من قبل الألمان) حين بلغه نعي والدته، فيسجل في مذكراته ما يلي" و تلقيت مرة أخرى صورة ثانية لقبر تغطيه باقات الزهور، انه ضريح أمي التي ماتت و قد قدمت آلامها الى الله طالبة اليه انقاذ بلادها وانجاح رسالة ولدها"إهــ !! و كأن أولئك الضحايا الغير أروبيين ليسوا من صنف البشر،و ليس لهم امهات يجزعن لفقدهم. ففي حين كان الجنرال الدموي يمارس في مستعمراته المنتشرة في اكثر من بلد اسلامي اقسى انواع العنصرية، و أبشع صنوف التعذيب، وقمع الحريات، كان يؤلمه " أن الأمة الفرنسية ما زالت تعيش في ظل الطغيان [ الألماني] حياة شديدة قاسية "! (ص 346). كما لم يجد الجنرال أي تـناقض أو ازدواجية في التفكير، وهو المستعمر لملايين الملونين أن يصف معاناة شعبه الفرنسي بانها " كارثة حلت بهم، وعبودية يعيشونها "( ص360) . وفي حين كانت جيوش الجنرال ديغول تقتل الملايين من ابناء المستعمرات دون تمييز بين ذكر وانثي، وبين صغير و كبير, ساحقة أية بادرة تمرّد, وفيما كانت قوات الجنرال تعذب المجاهدين وتغتصب نساءهم،بتهمة التعرض لقوات المستعمر, لم يجد الرئيس الفرنسي السابق ديغول غضاضة، حين أثبت في مذكراته ألمه الشديد بسبب هلاك حفنة من مواطنيه، ليجعل من مقتلهم سببا لدفع المحتل، فقك كتب في ص 364 من مذكراته: " اعلنت في اذاعة وجهتها ان من الطبيعي بل من الحق كل الحق ان يقتل الفرنسيون الألمان، و رحت اوجّه الرسالة الإذاعية التالية بعد أن ذبح الغزاة خمسين من الرهائن في "نانت" و خمسين آخرين في بوردو، يخيل الى العدو انه بقتله شهدائنا يستطيع إرهاب فرنسا"إهــ . كما استنكر الجنرال" تعرض المناضلين الى العذاب والإعدام دون رحمة أو اشفاق (368) ثم تحدث الجنرال الشريف جدا عن مقاوم فرنسي " أعتقله العدوّ[الألماني] و نال من العذاب اقساه وأفظعه، إذ أنّ العدوّ الذي عذبه كان لا يعرف للشرف أيّ معنى [!!]" ( ص372) . كما عبر الجنرال ديغول عن عنصرية مخجلة، حين جعل الحرية مكسبا غربيا يستحق طالبه الودّ و التكريم، أما نضالات الشعوب الملونة فلا تستحق غير الإزدراء و الوصف بالإرهاب (1) جاء في ص 382 من مذكراته " و كنت أرى في الأنجليز الذين يرونني أنا و أسرتي نمرّ في احد الشوارع نظرة تـنطوي على الودّ, بينما كنت أجد حماسا منقطع النظير من الحشود عندما أظهر أمامها في مناسبة عامّة, وهكذا كان في وسعي أن اتحقق إن كلّ فرد من أفراد هذا الشعب العظيم يحترم حريّة الآخرين و يجلّه" إهــ
و لئن حالت الملكية الفاسدة التي ارساها معاوية وبررتها السلفية الكريهة، دون اكمال الفتح الإسلامي لكل بلاد المعمورة ... و لئن حال ظلم عمال الملكيين الفاسدين دون ارساء العدالة التي وفرها الإسلام لسائر الشعوب غير المسلمة ... لئن حصل ذلك، فان السجل الذهبي لصحابة رسول الله و لبعض الصالحين الإستثنائيين من المسؤوليين الملكيين، قد اعجز الغرب عن الإتيان بنموذج واحد من هؤلاء القادة المجردين من النزعة االقومية و العنصرية الظالمتين المظلمتين .
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر مقال موت عرفات او سقوط صنم فله صلة بالموضوع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 29 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" لو أردت معاقبة مقاطعة ما، جعلت الفلاسفة يحكمونها!"
الإسكندر المقدوني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 30 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موت ياسر عرفات أو سقوط صنم
بسم الله و بعد... هذه ملاحظات سريعة داهتمني ساعة قراءة مقال كاتب فلسطيني يتوجع على هلاك ياسر عرفات و يصف روحه بالطاهرة:" عجبت من كاتب بفلسطيني تقمّص روح الخنساء، لا ليبكي صخر الندى، وصخر البطولة و الفروسية والشهامة، والنجدة والإباء، ولكن ليندب بغلا هوى، وشخصية شوهاء، و صنما دسّ في الثرى. وروحا خبيثة ممسوخة يبغضها شرفاء الأرض، ويلعنها اهل السماء... من هي الأرواح النجسة ايها الكاتب، اذا كانت روح عرفات هي الطاهرة ؟!... عرفات دكتاتور رخيص، ولا يستحق اي إحترام ولا تقدير، ولو عرضناه على أمم الأرض ما اشترته بثمنه روث بقر، فهو رمز ساقط وطنيا و اخلاقيا وانسانيا،و لا يصلح لغير شعوب ذليلة تعبد جلاديها، و تقبل ارجل معذبيها ... عرفات باع وطنه ومقدسات امته و مصالح ابناء جنسه في سبيل منصب حقير و مخفر منزوع السيادة ... عرفات هو الذي قتل الرسام الفنان ناجي العلي كما صفى خصومه بكل دناءة... حالما تمكن عرفات من مخفر يهودي، شرع في تعذيب الفلسطينيين بكافة شرائحهم، حتى غير النشطين سياسيا، كما اطلقت قواته الرصاص على المتظاهرين من ابناء الشعب الفلسطيني البطل...اذا كانت الفقمات الإخوانية العمياء( نسبة للإخوان المسلمين) تحترم عرفات .. و تأخذه بالأحضان،فلأنها تافهة وذليلة مثله… واذا كان الإخوان يضعون الزهورعلى قبر عرفات و يعتبرونه شهيدا )كما صرح القرضاوي البائس بذلك ) فلأن سلفيتهم الحمقاء، و إخوانيتهم البلهاء، تحتم عليهم ذلك، فعرفات" ولي امر مسلم"(1)، له حق الطاعة في نظرهم...الحقيقة أن عرفات حاكم غير مسلم لثلاثة اسباب، اولها علمانيته المعارضة للشريعة و ثانيها حربه للمسلمين، وثالثها مظاهرته اليهود و النصارى عليهم ...الخلاصة :عرفات ليس مني ...و لا تربطني به اية رابطة لا عرقية و لا دينية .فجمجمة الكردي العظيم سليمان الحلبي الموضوعة الآن على رفّ بمتحف الإنسان بباريس، و تحتها عبارة "هذه جمجمة مجرم" اثمن لديّ ولدى كل حرّ أبيّ ، من كل رؤوس المسؤولين العرب الأحياء، من سائق العمدة الي رؤساء الدول ذات السيادة الشكلية، مرورا بالقرضاوي و الكهنة المشعوذين ، من بينهم حسن نصر الله واسياده الإيرانيين عبيد امريكا، لأن جمجمة الشاب الكردي سليمان الحلبي الذي اعدم سنة 1800 بأسوأ طريقة تخيلها انسان (2) تذكرني بالشجاعة والوطنية و
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) و خليفة عرفات محمود عباس ايضا مسلم ـ والزعل منه مسألة مؤقتة ستحل قريبا، فاسرائيل لا تستطيع الإستغناء عن حماس الإخوانية"المعتدلة و الواقعية" وحماس تدرك ذلك لهذا فهي تستغل حاجة اليهود اليها، لطلب نصيب اوفر من السلطة.
(2)اعدم
سليمان الحلبي ــ 23
عاما
ـــ ، بالخازوق، حيث ادخل من مؤخرته و
اخرج من بين كتفيه،
وقد احرقت يده
اليمني وهو حيّ .
وقد
اعدم امامه ثلاثة فلسطينيين بتهمة التستر
عليه، حيث قطعت رؤوسهم وخوزقوا امام
ناظريه.
وقد
اثني مؤرخ غربي علي صبر سليمان الحلبي و
شدة جلده، وهو يواجه وحشية الفرنسيين.(
ابحثوا
عنه في الأنترتيت واحفظوا اسمه في
ذاكرتكم، فسليمان
الحلبي بطل
عظيم يستحق الإحترام، ودعكم من النعجة
القرضاوية العرجاء...
كان
اغتيال الحلبي للجنرال الفرنسي كليبر
من دواعي انسحاب فرنسا من مصر بصفة
مبكرة .اغنت
عملية سليمان الفدائية عن جهود جيش
كامل في التفريج عن شعب
مصر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
31
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفدائية وتبعث فيّ العزة بثقافتي و تراثي العظيمين، كما تبعث في نفسي بغض الغرب عموما،( الغرب الذي لا يريدنا الا اذلاء بلا هوية و لا ادنى اعتزاز ذاتي)، وبغض فرنسا خصوصا، وهي التي لا تزال تصرّ بكل عنصرية و استعلاء على وضع الهيكل العظمي للشهيد العظيم (3 ) في متحف الحيوانات و النباتات. عرفات لا يذكرني بغير الخيانة و الخسة و السقوط، ولا يبعث في غير شعور الألم و الإحباط.لأجل ذلك ابغضه(2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الهيكل العظمى دون الجمجمة. وقد طلب من جاك شيراك في آخر رئاسته احترام الشهيد ورد اعتباره بدفنه و تكريمه ، و لكنه ابي .
(2)" عندما تكبر ابنتي، ساقول لها اني أحببت إسحاق رابين، أحد ابناء عمومتنا " ياسرعرفات !!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 32 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل
أعتز بنبيّ الإسلام(*) كأعظم انسان وأشهر مصلح و أنجح رجل دولة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و لئن كان اعتزاز الملايين بتشي غفارا الذي لا يعدو كونه نذيرا بين يدي دولة شيوعية يهان فيها الإنسان و يحرم فيها من كل شيء، فكيف يكون اعتزازي بمحمد، الرجل الذي اسرت عظمته الأعداء قبل الأصدقاء. الرجل الذي تعددت فضائله، كما تشهد على ذلك الأسطر التالية للمفكر الفرنسي دي لامرتين (1790/ 1869)" الذي كتب في مؤلفه " تاريخ تركيا ما هذا نصه :" اذا كانت عبقرية الإنسان تقاس بعظمة قصده و قلة وسائله و شمولية انجازاته، فمن ذا الذي يجرؤ على مقارنة أي رجل، مهما بلغت عظمته في التاريخ المعاصر، بمحمد من الوجهة الإنسانية؟ إن اكثر الناس شهرة لم يتجاوزوا تحريك الأسلحة و سنّ القوانين وإقامة الإمبراطوريات، ولم ينجحوا ـ اذا اعتبر ما قاموا به نجاحا ـ إلا في اقامة قوى ماديّة غالبا ما انهارت قبل انهيارهم. أما محمد فقد حرّك النفوس ووضع تشريعات، وأسس امبراطوريات، و جند شعوبا و دولا و ملايين الرجال عبر ثلث المساحة المسكونة من الأرض... وأقام على كتاب، امة روحيّة تشمل شعوبا من جميع اللغات والأجناس، وبعث في الأمة الإسلامية طابعا راسخا يقوم على نبذ الآلهة المزيفة، وعلى عشق الله الذي لا يفنى ... لقد كان محمد فيلسوفا خطيبا، و رسولا مشرعا، و مجاهدا وداعيا للفكر، ومجددا لعقائد عقلانية في عبادة لا تعتمد وسائط . و مؤسسا لعشرين امبراطورية أرضية و امبراطورية روحية، فكيف يمكن ــ مهما كانت المقاييس التي تقاس بها عظمة الإنسان ـ أن يوجد رجل اعظم من محمد ؟!" ( 1).
لأجل عظمة محمد، لم يندهش المراقبون عربا و عجما، لما اصدر الأمريكي مايكل هارت كتابه" المائة الأوائل" ليضع نبينا على رأس مئة من مشاهير العالم عبر التاريخ الإنساني كله . معللا سبب اختياره كون" محمد كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل أسمى وأبرز في كلا المستوين الديني و الدنيوي... وأصبح أحد الزعماء العالميـين السياسيين العظام، ففي هذه الأيام، وبعد مرور ثلاثة عشر قرنا تقريبا على وفاته، فإن تأثيره لا يزال قويا و عارما... و فوق ذلك فإن محمدا يختلف عن المسيح بانه كان زعيما دنيويا فضلا على انه زعيم ديني . و في الحقيقة اذا اخذنا بعين الإعتبار القوى الدافعة وراء الفتوحات الإسلامية، فإن محمدا يصبح أعظم قائد سياسي على مدى الأجيال... ومن هذا نرى ان الفتوحات العربية التي تمت في القرن السابع استمرت لتلعب دورا هاما في تاريخ البشرية حتى يومنا هذا، وان هذا الإتحاد الفريد الذي لا نظير له للتأثير الديني والدنيوي معا، يخوّل محمدا ان يعتبر اعظم شخصية مفردة ذات تأثير في تاريخ البشرية ص26 " إهــ (2) .
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) في كتابه " الأبطال " اعتبر توماس كارليل اعظم فلاسفة الغرب شخصية رسولنا الكريم هي اعظم شخصية تمرّ على البشر "
(1) من كتاب " تاريخ تركيا " استشهد به الأب ميشال لولون في كتابه " الكنيسة الكاثوليكية في الإسلام " ترجمة فاطمة الجامعي الحبابي وعادل بن محمد عزيز الحبابي الطبعة الولى 2001 نشر المعهد الملكي للدراسات الدينبة عمان.
(2) نعم، وبدون منازع حتى يحق لنا ان نقول أن معركة بدرــ مثلا ــ( على قصر مدتها وقلة من سقط فيها من القتلى) تعد اهمّ معركة فاصلة في التأريخ الإنساني، فقد هيأت لأحداث اعظم تغيير في الخارطة السياسية والدينية تمت على سطح المعمورة، ولا يمكن بحال من الأحوال مقارنتها بجميع الحروب الغرب مجتمعة، و في مقدمتها الحربين العالميين الأولى و الثانية التي افرزت أولاهما امبريالية بريطانيا و فرنسا و وجاءت ثانيهما بأمبريالية الإتحاد السوفياتي و أمريكا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 33 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم انظروا الى سماحة ذلك الرسول، و سعة صدره و تواضعه و سموّ أخلاقه و صبره في معاملة أتباعه حتى انه نهى ازعاج اعرابي بال في المسجد! ، ولو حدثت الواقعة مع كاهن سلفي، لكفّر الإعرابي في الحال قبل ان يتم اعدامه!
وقد أورد الباحث الأمريكي المذكور الفاروق عمر رضي الله عنه ضمن المائة الأوائل لكونه أطاح بامبراطورية الفرس و اصاب امبراطورية الروم بشلل نصفي، و ما كان ذلك" بذلك الإتساع الهائل ا" كما كتب المؤلف لولا" قيادة عمر الواعية اللامعة "(ص 162 ) كما أمّن سلامة أهالي البلدان المفتوحة و لم يجبرهم عن التخلي عن دينها", كما ختم المؤلف كلامه عن عمر بقوله " انه ليبدو من الغريب ان يوضع عمر،وهو شخصية لا يعرفها الغرب، في مركز أعلى من بعض مشاهير الغرب ( مركز 51) مثل شارلمان(كان مركزه85/100) و يوليوس قيصر( كان مركزه 65/100 إلا انه من الإنصاف ان نقول ان الفتوحات التي قام بها العرب اثناء حكم عمر بن الخطاب كمّا و كيفا, و ديمومتها هي اكثر أهميّة بكثيرمن تلك التي قام بها كل من يوليوس قيصر و شارلمان "( صفحة 163 من كتاب المائة الأوائل) (1)
و إنه لمن دواعي الحسرة و الأسف أن تستقر امتنا في درك الهوان و حضيض إلأستبداد رغم ما تملكه من تاريخ حافل بدعاة الحرية و شهدائها الذين قضوا في مقارعة ديكاتوريات غريبة عنهم, لا يربطهم بها ظرف جغرافي أو رابطة دم أو دين أو مصلحة ماديّة.
ذلك نبينا العظيم الذي حرمته السلفية من خصائصه الإنسانية و من مهاراته القيادية و من عبقريته السياسية، حين صورته شخصا معصوما لا فضل له في ما يفعله أو يتركه، و بالتالي لا رابط حقيقي بينه و بين كل تلك المؤهلات العظيمة التي صار بها عظيما، باعتبار أن كل اعماله كانت صادرة عن غير ارادة منه و لا قصد ( انظر عصمة النبي في كتابنا من جرائم السلفية).
و ذلك هو النبي العظيم الذي صورته السلفية للناس كصاحب لاهوت يدعو الى الهروب من الحياة و التنزه عن التلوث باوحال السياسة ! و تعريض الظهور للجلادين دون ردة فعل .
ذلك هو نبينا العظيم الذي صورته المنظومةالسلفية( أهل السنة) كأكبر تجار الأفيون الشعبي، و اول مطفىء لفتيل الثورات ضد الظلم, حين نسبت له مرويات كاذبة تشرع لقبول الظلم و السكوت عن الظلمة.
ذلك هو مقدار نبينا العظيم الذي صورته الديانة الشيعية كداعية فاشل لم يستطع التأثير خلال حياته كلها على غيررجال يعدون على اصابع اليد الواحدة , في حين خدعه كل صحابته كما خدعوا الهه لمّا كتموا نفاقهم و اظهروا الإيمان به لينقلبوا على تعاليمه فور وفاته! .
ــــــــــــــــــــــ
(1) ثم انظروا الي عمر جبار الجاهلية وقد حوله الإسلام الي قائد رفيق برعيته( ذات مرة و هو يقوم بحراسة ليلية اصطدم عمر برجل نائم في المسجد فصاح فيه الرجل انت حمار؟! فأجابه عمر: بل انا عمر بن الخطاب" ثم استمر في جولته!!).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 34 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل
اعتز بمكانة المرأة ما قبل تسونامي السلفية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكم يتعاظم الم المؤمن، و لكم تستبد به اللوعة، حين يكتشف ذلك الدفق الهائل من روح الفداء و النضال و الإهتمام بالشأن العام، التي صدعت بها اصوات نسائية، تعتبر في ايامنا العجاف عورات سلفية يجب دسها في تراب النسيان، وكهوف الإهمال .
و حسب المرء ان يطلع على ما يأتي من صفحات مشرقة. ليدرك مدى رجعية المنظومة السلفية وظلاميتها، و مدى الحضيض الذي جعلت إمرأتنا المسلمة تستقر فيه .
انظروا معى الى المرأة التي استوقفت سيدنا عمر( الذي يعدّ امبراطورا بالمفهوم الغربي) لتخاطبه مخاطبة الند للند، في فترة من عمر الزمان كان شغل مفكري الغرب الوصول الى معرفة ماهية المرأة، هل هي انسان ام انها تحمل روحا شيطانيا!. ففي حادثة شهيرة، تصدت امراة مسلمة من عوام الشعب، لم يحفظ لنا التاريخ اسمها، باعتبار انها لم تأت ببدع من القول و الفعل حين جهرت بصوتها "العورة" امام الرجال، لتصحح لأمير المؤمنين خطأ لم يسعه الا الإقرار بالوقوع فيه قائلا " صدقت امرأة و أخطا عمر"!.
ثم انظر الى سير ما سياتيك من اخبار المسلمات المجاهدات، و الزعيمات السياسيات، الملتفّات حول عليّ (الخليفة الشرعي للمسلمين) و خوضهن المعارك وحشدهن الجموع وتعريض انفسهن للقتل، في سبيل الإستبقاء على قيم العدل و الشورى والحرية و المساواة( بين الجنسين خصوصا و بين الناس عموما)، تلك القيم التي ارساهاالإسلام خدمة الإنسانية. ثم تأملوا ذلك الكم الكبير من الشعور بالمسؤولية، و عدم التحرج من الإختلاط بالمجتمع الي حد التدخل في اخص شؤون الدولة، في فترة متقدمة باكثر من ثلاثة عشر قرنا من الزمان. ثم قارنوا كل ذلك، بالسعي المحتشم لنساء الغرب بعد أكثر من ثلاثة عشر قرنا نحو صناديق الإقتراع، للتمتع بحرية غربيّة محرّمة على الملوّنين، حتى يخترن برلمانيا ذكرا من جنسهن الأبيض،كي يحقق لهن بعض العدل على حساب آهات و عذابات غير الأروبيين الذين سلطت عليهم جيوشا استعمارية أو دكتاتوريات محلية تشرب دماءهم كي ينعم السيد الأروبي بثروات بلادهم .
هل بلغك ايها المسلم خبر السيدة الجليلة و المناضلة الكبيرة، الشاعرة " بكارة الهلالية"، و كيف يبلغك اسمها و قد حجبك عنها ذلك الكمّ الهائل من اسماء الرخويات السلفية المذكرة ، التي لم تطعم أحدا من جوع و لم تؤمن مسلما من خوف. على كل اليك خبرها... حين انطلق معاوية بن ابي سفيان قاصدا تقسيم دولة الخلافة وة محاربة عساكرها. هبت السيدة المذكورة في وجه مطامع الملك الأموي الرهيب. متأسية ببقية صحابة النبي الذين كانوا في جيش علي. حتى تؤدي واجبها في اعادة مارد الإستبداد الى قمقمه. و قد ادت تلك المرأة العظيمة ما عليها من واجب النهي عن المنكر الأعظم الذي اقترفه معاوية، بكفاءة عالية و امتياز مبهر... ثم تمرّ الأيام لنرى تلك المرأة التي تعد مفخرة إسلامية، تدخل على معاوية و هو على سرير ملكه وقد " اسنّت و عشي بصرها و ضعفت قوتها وهي ترتعش بين خادمين لها، مطالبة هذه المرة في حقها في الرعاية الإجتماعية التي كفلها لها الإسلام, و قد حاول بعض المتزلفين من جلساء معاوية تحريضه علي المرأة المجاهدة، مذكرين اياه ببعض ما قالته من شعر، هدفه تجميع الناس لحربه وحينما سألها معاوية عن حقيقة ذلك اجابته بــكل إباء :" أنا والله قائلة[ قلت] ما قالوا و ما خفي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 35 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عليك مني اكثر " ! ثم رفضت اخذ شيء منه و انصرفت ".
ثم انظروا الي الزرقاء بنت عديّ الزعيمة الكبيرة و الخطيبة المفوّهة، تقصد معاوية بعدما طلبها الى بلاطه، و قد بادرها حين دخلت عليه بقوله:"الـست الراكبة الجمل الأحمر، والواقفة بين الصّفين يوم صفين تحضين على القتال و توقدين الحرب؟"[ ثم ذكّرها بمقاطع من خطبها التحريضية ليخلص الى القول]: يا زرقاء، لقد شركت عليا في كل دم سفكه![ هكذا! وكأن عليا صحابي رسول الله و رابع كبار الصحابة كان ــ والعياذ بالله ــ سفاكا للدماء بغير وجه حقّ !؟] فأجابته القائدة العظيمة بكل ثقة ويقين "أحسن الله بشارتك وأدام سلامتك، فمثلك بشّر بخير و سرّ جليسه!"[ أرادت أن تقول له أن ما عابه منها هو مكرمة لها، وعبادة ترجو ثوابها عند الله تعالى فياليت الملك الأموي عيّر تلك المراة المجاهدة بما هو عارـ و لن يجد معاوية في سيرة صحابة رسول الله ـ الذي هو ليس منهم ـ ما هو عار.
وعندما طلب منها أن تسأله من بيت المال أجابته بكل عزّة نفس : آليت على نفسي ألا أسأل أميرا أعنت عليه أبدا !
ثم هاهي عكرشة بنت الأطرش بن رواحة (1) تدخل على معاوية و قد أسنّت : فسلّمت عليه بالخلافة ثم جلست فقال لها معاوية: الآن يا عكرشة صرت عندك أمير المؤمنين؟ قالت: نعم إذ لا عليّ حيّ ؟! [انظروا الى شجاعة المرأة و هي تجدد عهدها لعلي في حضرة ملك اموي قتل بعض الصحابة، لا لشيء الا لرفضهم لعن علي رضي الله عنه!] قال[ معاوية]: ألست المقلدة حمائل السيوف بصفين، و انت واقفة بين الصفين تقولين: ايها الناس عليكم انفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم ...ان معاوية دلف اليكم بعجم العرب غلف القلوب لا يفقهون الإيمان ولا يدرون ما الحكمة. دعاهم بالدنيا فاجابوه، واستدعاهم الى الباطل فلبّوه. فالله الله عباد الله في دين الله ... ثم قال لها: فكأني اراك على عصاك و قد انكفا عليك العسكران يقولون هذه عكرشة بنت الاطرش بن رواحة فما حملك على ذلك؟ قالت يا امير المؤمنين قال الله تعالى ((لا تسألوا عن اشياء ان يبد لكم تسؤكم)) و ان اللبيب اذا كره امرا لا يحب اعادته ..
و ها هي درامية الحجونية (2) تدخل على معاوية ايضا و قد بعث اليها ليسألها :" علام أحببت عليّا و ابغضتني ؟ و واليته و عاديتني؟! " قالت :أو تعفني؟ قال لا اعفيك. قالت :" اما اذا ابيت فأني احببت عليا على عدله في الرعية و قسمه بالسوية، وأبغضتك على قتال من هو اولى منك بالأمـر، وطلبتك ما ليس لك بحق. وواليت عليا على ما عقد له رسول الله من الولاء و حبه للمساكين و اعظامه لأهل الدين، وعاديتك على سفكك للدماء و جورك في القضاء و حكمك بالهوى ... ثم سألها :" و يا هذه هل رأيت عليا ؟ قالت: رايته و الله لم يفتنه الملك الذي فتنك، و لم تشغله النعمة التي شغلتك .. وثم خرجت بعد كلام طويل ...
و ها هي درامية الحجونية (3) تدخل على معاوية ايضا و قد بعث اليها ليسألها قائلا :" علام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) و (2) و (3) هاته اسماء جديدة من جملة اسماء يجب عليك حفظها ايها المسلم في سجل اسلامنا الشرفي, بعد أن تميط من ذاكرتك أسماء دواجن سلفية و بالونات ملكية ، تجلب الصداع وتثير الأوجاع ، كابن حنبل و الشافعي و الخزاعي و سفيان بن عيينة و ابن المبارك و سائر الرخويات السلفية التي اشتهرت بفعل الدعاية الملكية الحاكمة, كما تشتهر اليوم و في ظل الإرهابي العلماني الحاكم اسماء الفنانات و الراقصات و لاعبي الكرة و سائر البهلوانات .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 36 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحببت عليّا و ابغضتني ؟ وواليته و عاديتني؟! " قالت :أوتعفني قال لا اعفيك قالت : أما اذا أبيت فأني احببت عليا على عدله في الرعية و قسمه بالسوية و ابغضتك على قتال من هو اولى منك بالأمر و طلبتك ما ليس لك بحق وواليت عليا على ما عقد له رسول الله من الولاء و حبه للمساكين و اعظامه لأهل الدين و عاديتك على سفكك للدماء و جورك في القضاء و حكمك بالهوى ... ثم سألها : و يا هذه هل رأيت عليا ؟ قالت رايته و الله لم يفتنه الملك الذي فتنك و لم تشغله النعمة التي شغلتك ... ثم خرجت بعد كلام طويل ....
و هاهي أم الخير بنت حريش و قد دخلت على معاوية حين طلبها للمثول بين يديه، و قد ذكّرها بتحريضها عليه (و كانت خطيبة ميدانية كسالف من سبقها) و طلب منها اعادة ما قالته حين قتل عمار بن ياسر، فاعتذرت بضعف الذاكرة فتولى احد المخبرين من جلسائه سرد بعض ما قالته و قد جاءعلى هاته الصورة : أين تريدون رحمكم الله؟ أفرارا عن امير المؤمنين؟ او فرارا من الزحف؟ أم رغبة عن الإسلام، أم ارتدادا عن الحقّ؟ أما سمعتم الله عز وجل يقول(( و لنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم و نبلو اخباركم)) سورة محمد الآية 31..هلموا رحمكم الله الى الإمام العادل... ألا انّ أولياء الله استصغروا عمر الدنيا فرفضوها، واستطابوا الآخرة فسعوا اليها. فالله الله ايها الناس، قبل ان تبطل الحقوق، و تعطّل الحدود، و يظهر الظالمون، وتقوى كلمة الشيطان، فأين تريدون رحمكم الله عن ابن عم رسول الله؟! [ ما أحدّ بصيرة هاته المرأة، رحمها الله و لا رحم من اعان ظالما و لو بالسكوت, فقد أدركت انها تخوض معركة مصيرية و مجابهة حيوية سيتقرر بها المصير النهائي لهذا الدين(1) كما ادركت انها تقف و صحابة رسول الله للحيلولة دون انهيار سدّ الحكم الراشد، و تدفق تيارت الإرهاب الملكي الهادرة، لتأتي على كل شيء متأكدة بحسها السياسي المرهف، أن النظام الملكي سيكون على يده ذهاب دين الله و ضياع حقوق الناس. فيالت لنا بتلك المرأة العظيمة و باخواتها الخالدات، بكل سلفي مشى على الأرض ودبّ الى بوم تطوى السماء كطيّ السجل للكتب ]. فغضب معاوية وهددها بقوله : يا ام الخير ما اردت بهذا الكلام الا قتلي، و لو قتلتك لما حرجت في ذلك قالت : و الله ما يسوءني ان يجري قتلي على من يسعدني الله بشقائه !.
وها هي أروى بنت عبد المطلب تدخل على معاوية لتبادره غاضبة : لقد كفرت يد النعمة و أسأت لإبن عمك الصحبة, و تسميت بغير اسمك و اخذت غير حقك من غير دين كان منك و لا من آبائك و لا سابقة في الإسلام, بعد ان كفرتم برسول الله، فأتعس الله منكم الجدود و اضرع منكم الخدود و رد الحق الى اهله و لو كره المشركون. و كانت كلمتنا هي العليا و نبينا هو المنصور فوليتم علينا من بعده تحتجون بقرابتكم من رسول الله فكنا فيكم بمنزلة بني اسرائيل في آل فرعون... و بعد حوار طويل سألها معاوية عن حاجتها قالت : ما لي حاجة و خرجت . ( انظر العقد الفريد ج1 ص364/358 ) و رغم تلك الجرأة التي ابدتها اروي، لم يتعرض معاوية لها، لتأكده من انه لا يقف وراءها أحد . معتمدا في ذلك على سياسته الماكرة التي لخصها بقوله :" أنا لا احول بين الناس وألسنتهم ما لم يحولوا بيننا و بين السلطان!". و قد استفاد حكام المسلمين من نصيحة معاوية في السماح بنقدهم بشكل جارح، بلغ حد وصفهم برجال العصابات لتحقيق دعاية سياسية
ــــــــــــــــــــــ
(1) وليست قضية هامشية تضليلية مختلقة كقضية خلق القرآن , التي خرج منها ابن حنبل بطلا مصطنعا ( انظر كتابنا من جرائم السلفية الرسالة الأولى: تعريف السلفية)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 37 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رخيصة بين الجماهير الغافلة (1) .
ثم أنظر الي هذا الموقف المشرف، وتأمل تلك الصفحة المشرقة من تاريخنا الإسلامي المحجوب بالجلاميد السلفية الصمّاء، حين وقفت سيدتان مجاهدتان موقفا بطوليا لمّا واجهتا ارهابيا قلما يعرف التاريخ له مثيلا كالحجاج بن يوسف(2) جاء في "العقد الفريد " ج 4 ص111 للــفقيه الأندلسي بن عـبد ربه تحت عنوان الحجاج و خارجية :" واتي الحجاج بإمرأة من الخوارج فجعل يكلمها و هي لا تنظر اليه، فقيل لها: الأمير يكلمك وانت لا تنظرين اليه؟! قالت اني لأستحي أن انظر من لا ينظر الله إليه, فأمر بها فقتلت " إهــ
واتي الحجاج بامراة من الخوارج فقال لأصحابه: ما تقولون فيها؟ قالوا :عاجلها القتل ايها الأمير، قالت الخارجية لقد كان وزراء صاحبك خيرا من وزرائك يا حجاج! قال لها : ومن صاحبي ؟ قالت : فرعون, استشارهم في موسى فقالوا(( ارجه و أخاه)) إهــ .
و قصة هروب الحجاج من مواجه غزالة " الخارجية " مذكورة في كتب التاريخ، فحينما دخلت غزالة باب مدينة الحجاج انسحب من باب آخر حتى عيره الشاعر بقوله:
اسد عليّ وفي الحروب نعامة ــ فتخاء تهرب من صفير الصافر
هلا برزت الى غزالة في الوغي ــ بـــل كان قلبك في جناحي طائر
و في احد المرات نذرت غزالة نذرا كان في تحقيقه اذلالا كبير لسفاح بني امية، فقد عزمت رجمها الله ،دخول المسجد الذي توجد مركز قيادة الحجاج الي جواره، قراءة سورتي البقرة و آل عمران هناك! و قد وفت رحمها الله بنذرها، و في ذلك يقول احد مرتزقة الحجاج :
وفــّت غزالة نذرها ـــ يا ربّ لا تغفر لها
و كان الأجدر بذلك الشاعر، ان يمجد عمل غزالة فيقول:
وفت غزالة نذرها ـــ يارب فلتغفر لها
و لكن يبدو أن جرعة الأفيون السلفي المميت للرجولة التي تلقاها ذلك البائس كانت مركزة جدا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في مسرحية" الزعيم"، سأل رجل المخابرات الممثل الناشىء (والشديد الشبه بزعيم البلاد و المتهم بتمثيل دور لص في فيلم اخرجه مخرج اجنبي !!) ما لقيتشي إلا دور حرامي تمثله؟! اجاب الممثل الناشيء (عادل امام) : المرة دي حرامي،اترقى شوية ابقى رئيس عصابه، اترقى شوية ابقى رئيس جمهمورية ! ".
مع العلم ان المسرحية كانت تعرض في مصر تحت حماية أمنية شديدة نظرا الى أن عادل امام كان مستهدفا من قبل الجماعات الإسلامية بسبب سخريته التي طالت حتى الشعائر الإسلامية .
من جملة سخرية عادل امام [ شيوعي] من الدين والتدين مناشدته( في نفس المسرحية) احد المسؤولين توفير رخصة فتح كشك لزوج خالته, وحين ردّ عليه المسؤول: هذا سهل، يعني كشك سجائر؟ اجاب عادل امام : مش سجائر،[ بل] كشك بيع مخدرات، اصل هو رجل بتاع ربنا و حاجج يجي 400 مرة !.
(2) فإن اعتزت فرنسا بجان دارك التي حاربت الغزو الأنكليزي، فإن في تاريخنا الإسلامي يحفل بالعشرات من امثالها، و لكنهن ذوات قضية كبرى غايتها الإنسان أينما كان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 38 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بامثال تلك الرائدات العظيمات اعتز، كما أعدّ " خائنا وطاعنا ومتطاولا في حق علماء الأمة و رموزها" لو تكلمت في حق أمثالهن بسوء، لأنهن يفرضن احترامهمن( شرعا و عرفا) على كل انسان حر. و لو وجدت تلك النماذج الإنسانية الراقية في بلاد الغرب، لسطّرت كلماتهن بماء الذهب ولأدرجت ضمن المحفوظات المدرسية لتتربى عليها الإجيال و لتستـنير بهديها .
أؤلئك أسلافك ايها المسلم . و ليست الزواحف السلفية ذوات الدم البارد، و التي يستبيح السلفيون عرضك بسببها لو ذكّرت الناس بمخازيهم و خيانتهم لدين الله .
لقداردت تذكير ابناء المسلمين ببعض الصفحات المغيبة من تاريخهم المجيد، حتى لا أتتهم بالطعن في علماء الأمة و تشكك الناس في دينهم و توهين صلتهم برموزه, فانا لم اقصد سلب المسلمين دماهم السلفية المحنطة لأتركهم يبحثون خارج البيت الإسلامي, عن رموز يعتزون بها وقدوة يسيرون على منوالها، بل اردت استبدال الذي هو أدني بالذي هو خير، ا ستبدال الرموز السلفية الرخوة، ببعض ما ذكرت من سيدات عظيمات، وسادة عظام( من امثال الإمام ابي حنيفة وسيد قطب) كانوا تجسيدا لفكر الإسلام المعادي للإستبداد...أولئك هم وموز ألأمة الذي يحق للمرءالإعتزازّ بهم، ويفاخر بمآثرهم الحسان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 39 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله أكبر ان دين محمد
و كتابه القرآن أقوم قيلا
لا تذكروا الكتب السوالف قبله
طلع الصباح فأطفئوا القنديلا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 40 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل
رب رحيم و دين عظيم وهدف واضح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و لئن اعتزّ الناس بانسان عاجز مسخر لخدمة فئة معينة من الناس على حساب فئات عديدة منكوبة. فكيف يكون اعتزازي بالخالق المتسامح اللطيف بعباده,الذي يراعي ضعفهم البشري، و يحسّن لهم التوبة و يقبلها منهم بل يحول سيآئهم القديمة الى حسنات(( أولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات)). الله الذي لا يترصد اخطاء البشر ليعاجلهم بالعقوبة، بل يؤخرهم و يأمر عباده المؤمنين بالرفق بهم و تحسين الإسلام في اعينهم، حتى آخر رمق لهم ( انظروا اليهودي الذي كان يضع الشوك في طريق رسول الله و كيف كان يرفق به و يسأل عنه كلما افتقد شوكه المؤذي ).
فربّي ليس رب اليهود الذي يهزمه النبي يعقوب، الربّ الذي يتشكل في صورة رجل ليفعل شيئا ثم سرعان ما يندم عليه، الرب الدموي الذي يأمر بقتل الصالحين من غير اليهود . وربي غير رب النصاري العاجز الذي رضي بالصلب ليسدد على حسابه فواتيرالشواذ و الخاطئين من امته, و ليس رب الشيعة الذي يخشى الصحابة، و يشتغل سكريتيرا عند الأئمة الإثنى عشر، فلا يمضي امرا الا بعد موافقتهم عليه، و ليس رب الصوفية المسلوب الصلاحيات والموكل للأقطاب و الأبدال ادارة الكون بدله. و ليس الرب الذي يصوره الغباء السلفي في صورة بشر تدركه الأبصار. رب متعطش الي تعذيب البشر,لا يبالى ان يدخل أبوي الرسول النارلا لشيء الا انهما قد بعثا في زمن لم يكن فيه رسل, رب لا يبالي ان يدخل اطفال الكفار النار لا لشيء الا ان سوء حظهما قد جعلهما يولدان لأبوين كافرين! و لا يبالي ان يدخل النصارى وعبدة البقر النار حتى لو كانوا لا يعلمون عن الإسلام شيئا سوى انه دين يعطي الصلاحية للحاكم بقتل الثلثين بالسيف و يقتل الثلث الباقي بسوء التغذية و القهر والمخدرات السلفية. حتى لو كان لا يعلم عن الإسلام الا اعتبارالمرأة عورة ملتحفة بالسواد و بنظارات سوداء تخيف الناظرين, و حتى لو كان لا يعلم من ألإسلام الا كون المسلمين مجرد مروجي مخدرات، أو متدينين أشرا يتربصون بالمدنيين العزل ليفجروا قطاراتهم بما فيها من نساء و اطفال، أو ليذبحوا الأسير الغربي امام أهله و ذويه ذبح النعاج .
فعبوديتي لله هي التي منحتني شهادة التكريم (( و لقد كرمنا بني آدم)) و جنبتني السقوط في مستنقع احتقارالذات و الإستهانة بالإنسان. ففي حين يعتقد اهل الألحاد ان لا دور لهم في الحياة و يجعلون الجورب النتن الذي يضعونه في ارجلهم .( صاحب الوظيفة المحددة في الحياة) أفضل منهم، لأنهم يعيشون بلا وظيفة و بلا هدف . فيحتقرون انفسهم و يحتقرون بالتالي غيرهم من سائر الشعوب !.
كما اعتز باسلامي الذي جعلني راشدا، و مقررا لمصيري، ولم يجعلني مسمارا في آلة، أو نعجة في قطيع، بل جعلني شخصا مسؤولا، حتى لو وجدت في مجتمع غير مسؤول, لقد حتم علي اسلامي ان اكون سابحا ضد التيار ان كان ذلك التيار يعارض قناعاتي و رؤآي. مستخفا فيما امارسه من استقلالية و حرية ارادة بنظرية دوركايم التي " تلغي وجود الإنسان تماما، و تلغي ارادته و مسئوليته، و تعتبر الجماعة مصدر القيم و الثقافة، و تقرر ان ألاحداث والتغييرات الإجتماعية ليست نتاجا لمعادلات فردية " (1) أي أنني مجرد قطرة ماء يجرفها التيار حيث يشاء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) و معنى وجهة دوركايم الدعوة الى الجبرية الكاملة للفرد في اطار المجتمع و اقراره بعجز الإنسان عن تغيير0=
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 41 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
، فاذا كنت في روما وجب علي ان أصنع كما يصنع الرومان !
كما حررتـني عبوديتي لله من الرضوخ لملوك الجور، و جنرالات الإرهاب العلماني، الرضوخ االذي انكره الإسلام وجاء لحربه، ووعد من رضي به بنار جهنم، ( لكن السلفية المسترقة و المهزومة نفسيا فرضته على المسلمين باسم سنة سيد المرسلين ! ).
كما حررني اسلامي من احترام أي حاكم رشحته طبقته الإجتماعية أو العرقية لحكم الناس اعتمادا على مؤهلات تراعي الجنس او الطبقة دون الكفاءة و اختيار الشعب. لأجل ذلك يتحتم علي اسلاميا رفض النظرية العنصرية الداعية الي اختيار الإئمة من قريش،التي حاربها الإسلام و جعلتها السلفية فيما بعد مقصلة لأمتنا. كما ارفض ما دعا له الفكر الأروبي في هذه المسألة "(1)
وعبوديتي لله هي التي علمـتني احترام الآخرين، وإعطائهم عهد امان من شروري و نزواتي، فلا اجعل سعادتي على حساب شقائهم، وتلذذي على حساب معاناتهم .
و عبوديتي لله هي التي عرفتني بدوري في الحياة الذي ضل عنه فلاسفة الغرب و اوقعتهم في الشذوذ الجنسي و الفساد الخلقي، والإغراق في الخمر لتهوين رحلة حياة لا معنى لها ولا قصد عبروا عنها في مسرحهم العبثي و رسوماتهم الغريبة (2) و أدبهم الغامض و شـعرهم الرّدىء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
=المجتمع و ضرورة خضوعه له، و قوله ان العامل الفعال الذي يؤثر في المجتمع هو البيئة الإجتماعية... و هو الغاء كامل لدورالفرد، وهو ما يؤكد ضرورة انصياع الإنسان لما هو قائم و ماهو محيط، فالظاهرة الإجتماعية اجبارية والزامية... و ان المجتمع هو المسؤول عن اخطاء الفرد" الفكر الغربي نظرة نقدية انور الجندي ص 184/185
(1) من اخطرما دعت اليه الفلسفة اليونانية الرومانية الدعوة الى جعل شئون الحكم في يد طائفة مختارة من الناس يتصاهرون فيما بينهم و يلدون اطفالهم بصورة جماعية ثم تربيهم الدولة محافظة على سلامة الجنس المختار، وهي دعوى افلاطون في جمهوريته" نفس المصدر ص 43
(2) في احدى امارات الخليح العربي، أقدم الصحفي الجرىء صلاح محفوظ على جلب قرد من فصيلة الشامنزي، ثم وفر له جميع ادوات الرسم كي تسفر جهود القرد الرسام عن لوحة لا يشك احد الناس انها من نوع ما يعرض تحت مسمى الفنون التشكيلية، ثم توجه الصحفي الى بعض النقاد المشهورين بعد ان همس في آذانهم تارة، بان اللوحة من انجاز ثري عربي، و تارة اخرى انها لأميربترولي " يستعد لإقامة معرض للوحاته في لندن، و يهمه ان تزين معرضه تعليقات اساتذة الفن التشكيلي على لوحته التي تحمل اسم " أمريكا و العالم "، و كانت المفاجأة صاعقة عندما خرجت الكلمات بسلاسة و بتعبيرات مشيدة باللوحة، و كتبوا عنها ما لم يكتب عن لوحات بيكاسوا أو دافنشي" حيث و كما جاء في مجلة سيدتي في عددها 1114 لسنة 2003 " استطاع القرد الفنان ان يحرك الإبداع و الإبتكار عند النقاد مما دفعهم الى ابتكار لغة نقدية جديدة في النقد التشكيلي، تعـتمد على محور الرائحة! و تؤسس لخطاب بصري جديد يعتمد على حاسة الشم [!].
من بين ما كتبوا عن اللوحة " م. ن " الذي رأى فيها عمقا سياسيا وقال " انها بمثابة رفض لوني. و ادانة ضوئية متوهجة عبر لوحة تجريدية ذات بعد فلسفي عميق، يحرص على تكريس قيم المواجهة و مقاومة التوحش الحضاري معللا ذلك بالدماء الحمراء داخل اللوحة ".[!]
ناقدة اخرى[ اسمها] " ر.د" " اعتبرت ان راسم اللوحة صاحب خبرة في التكوينات الجمالية[!] و الألوان عنده تترك انطباعا بانه استطاع خلق تكوين جمالي يدل على ان اليد التي رسمتها خبيرة !" بينما اكد الناقد "ي .ب "ابداع اللوحة وراسمها بالقول "لا يستطيع المرء الا يقف مكتويا بحرائق اللون، وبراءة اندفاعاته امام تجربة تشكيلية جديدة و متمردة، وباذخة في رؤاها".! أما الناقد "ي . أ . ل " فقال عن اللوحة "انها قصيدة بصرية تتكثف فيها غيوم من الموسيقى و الإيقاع اللوني الهادىء في صخبه، و الصاخب في هدوئه! حيث يولد اللون عند الفنان من الماءو الشمس و رموش الندى وهو بذلك يكتب قصيدة بصرية تجعلنا نقف مبهورين بهذا المدّ من الطهرانية و شفافية الروح "[!] و قال "ان اللوحة تنطوي على عمق آخر و هو الرائحة "=
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 42 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الذي رشحته بلادته، و ثقله على النفس ليكون أداة تعذيب جهنميّة! (1)
فأنا لست تافها وان احاطت بي التفاهة السلفية و غير السلفية من كل جانب ،لأن عبوديتي لله جنبتني احتقار الذات التي تقذف بصاحبها في المستنقع السلفي الذي يحتم على "المسلم" طاعة ( الحاكم الإنقلابي) أي أطاعة أصحاب القوة المجردة من الشرعية، كما جنبني اسلامي الوقف في صف اعداء امتى خاصة، واعداء الإنسانية عامة، فضلا عن الذوبان فيهم ومباركة جرائمهم .
و قد بلغ شعوري بالعزة،انا الذي لا أساوي مع الملايين من امثالى ذرة عند حكامي،(بعد أن الحقتني المنظومة السلفية بالفواسق الخمس التي تقتل في الحل و الحرم بسبب خروجي على اولياء امري من العلمانيين). قلت بلغ شعوري بالعزة الى حد قررت فيه لحظة هممت بدخول النادي الذي أتردد عليهفي عاصمة النرويج اوسلو، و رؤيتي رئيس الوزراء النرويجي بوندفيك و هو يستعد بتخطي عتبه ذلك النادي، قررت تحويل وجهتتي حتى أجنب نفسي مصافحته، واتقي عار ظهوري بجانبه في التلفزيون, لأن رفقة رئيس الوزراء لا تشرفني، بل تطعن في ديني وفي وطنيتي و في انسانيتي، خصوصا و ان رئيس الوزراء المذكور قد تحالف عسكريا مع الإدارة الأمريكية لحرب المسلمين في افغانستان و العراق و غيرهما, و لو كان رئيس الإدارة الأمريكية بدله لكنت اشد تجنبا له. هذا في زمن تتقاتل فيه الزعامات السلفية( أشعرية ووهابية) على ارضاء ساسة الغرب بدماء المسلمين و اعراضهم، كما فعل القرضاوي الذي اشترى مقاعد برلمانية لثدييات اخوانية تضر ولا تنفع، لقاء فتوى اباح له فيها لكل جيوش الغرب الإستعانة بالمجند المسلم لمحاربة اية دولة اسلامية تضم ارهابيين قد يشكلون تهديدا مصالح الغرب .فاتحا بذلك المجال للحزب الإسلامي العراقي ـ حزب اخواني ـ للتعامل مع المحتل الأمريكي/ البريطاني على اساس تلك الفتوى، رغم الإذلال الأمريكي لهم. اذلال تجسم في اقتحام دورية عسكرية لمقر الحزب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= و تعددت اسماء النقاد و تعددت معها قصائد الإعجاب باللوحة و صاحب خطوطها !!
طبيب أمراض نفسية تورط هو الآخر في التعليق على لوحة رسمها قرد معتقدا انها لثري عربي و كتب تحليلا نفسيا لحالة الفنان الذي رسم اللوحة و وصفه انه مثقف واسع الإطلاع [!]و علق على اختيار الألوان في اللوحة بان راسمها كان يعاني من مشاكل عائلية عندما رسم نصفها الأيسر اى ان النصف الأيمن من اللوحة، يدل على زوال هذه المشاكل وعودة الدفء العاطفي و العائلي اليه، بعد ان اختار الوانا تميزت بالتـناغم " إهـــ
و لأن كان النقاد القرداتيين قد وصفوا بعد تلك الفضيحة بكونهم قد " انسلخوا عن ضمائرهم، و اغوتهم الأسماء الكبيرة التي اعمتهم عن قول الحقيقة، وعبروا عن خوائهم الفكري والثقافي " إهــ فان مديحهم للقرد الرسام، يقل و بمسافات ضوئية، عن مدا ئح كهنة السلفية للقردة التي حكمت المسلمين لقرون متطاولة. كما أن خيانات السلفيين لأمانة العلم، و نكوصهم عن القيام بدور رواد تحرير الإنسان، يفوق خيانة تلك الفئة الهابطة من النقاد المرتزقة.
(1)." طمأن ابليس خليلته
لا تنزعجي يا باريس
ان عذابي غير بئيس
ماذا يفعل بي ربّي في تلك الدار
هل يدخلني ربي نارا؟
أنا من نار !
هل يبلسني ،أنا ابليس ؟![ فرد ت عليه]
هل يعجز ربك عن شيء ؟!
ماذا لو علّمك الذوق
و اعطاك براءة قديس
و حباك ارق احاسيس
ثم دعاك بلا انذار.. ان تقرأ شعر أدونيس ! إهـــ .( شاعر عربي من شعراء الحداثة )
( احمد مطر)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 43 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا
لمذكور ثم طرح زعيم الحزب محسن عبد الحميد ارضا، و ترك جزمة أحد الجنود الأمريكيين تستقر على رقبته الإخوانية (و باعترافه هو) لمدة عشرين دقيقة، بحجة انهم جهلوا هويته الإخوانية و في رسالة امريكية مضمونها: انكم في نهاية المطاف عملاء لا يمكن التعامل معكم بغير الجزم .
و انا لست دودة و أفراد أمتي ليسوا ديدانا، و ان كان يحلو لتشرشل أن يعتبر نفسه و امته البريطانية(1) كذلك ، دون أن يكرهه أحد على ذلك الإعتراف المخجل و الذي يبرّر قسوة حكام الغرب تجاه سائر" الديدان " غير الأروبية.
و عبوديتي لله هي التي اكسبتني شعور العزة بالإنتماء الى امة اختصت بشرف حيازتها نادي فضلاء الإنسانية، و خلاصة البشرية، وابطال التاريخ الإنساني، ورعاة حقوق الإنسان، و اصحاب الأهداف السامية، و القلوب الكبيرة التي لا ترضى بغير مشاركة الجميع لها في نعمة الأمن والرفاهية والكرامة. في حين تفتخر الزاوئدالسلفية برموز كهنوتية فاسدة اختزلت الأمة في فرد مستبد، فقدمت شقاء الأمة مهرا لسعادته. و موتها المعنوي والجسدي احيانا قربانا لحياته. و في حين يفتخر الغربيون بساسة لوطيين، ومفكرين شاذين، و قادة دمويين أنانيين اختزلواالبشرية في الجنس الأبيض الحقود.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) " كلــّـنا ديدان, غير انني دودة متوهجة"
( رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل )
We are all wormes , but I do believe I am a glow worm
The Wordsworth Dictionary of Quotations . Edited by Connie Robertson
انظر الصفحة 101 من الكتاب و القول المأثور رقم 2285
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 44 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل
أعتز بمراعاة الإسلام خصوصية الإنسان وعدم تعريضه لسوء المعاملة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اعتز بديني الذي يراعي خصوصية الإنسان:
راعى الإسلام خصوصية الفرد المسلم و غير المسلم، فلم يؤاخذه الا بما صرح به أو ارتكبه علانية, حتى انه نهى( تطبيقا لتلك الهبة الربانية) تتبع عوراته، والتجسس عليه(( و لا تجسسوا)). فاذا مااغلق المرء عليه بابه، فلا سلطان لأحد عليه، ولو أتي بكل موبقات الدنيا . و حينما عاتب عمر رضي الله عنه جمعا من السكارى كان قد تسور عليهم بيتهم، ردوا عليه بانه قد اخطأ حين اقتحم عليهم مجلسهم و عكر عليهم صفو سكرهم ! فما كان منه غير الإعتذارثم الإنصراف. هذا ما بلغه الإسلام منذ اربعة عشر قرنا، في حين يصر الغرب المتشدق دوما باحترام حقوق الإنسان، على انتهاك خصوصية أفراده بسبب و بدون سبب, و أحيانا بحجة الحفاظ على أمن الدولة، رغم تمكن الغرب في الأرض والبحر والجو وسيادتهم على المعمورة, و قد "اكدت الهيئات المختصة لدى البرلمان الأروبي، بانه يتم اختراق المراسلات الهاتفية ورسائل الفاكس و البريد الإلكتروني في اروبا بصورة روتينية، من قبل ما يسمى بنظام "ايكيلون" العالمي للرقابة و يهدف هذا النظام الأمريكي البريطاني الى مراقبة أهداف غير عسكرية في جميع الدول، كما اكدت مصادر مطلعة، بان من ميزات نظام "ايكيلون" انه يتيح للدول المشاركة فيه الحصول على معلومات عن مواطنيهم دون خرق قوانين خصوصية الأفراد، لأن الرقابة تتم عن طريق دول اخرى !" وقد ابدى الفرنسيون "بلادة تجسّسية" فاضحة حينما اتاح برنامجهم امكانية التجسس على مليوني رسالة في الشهر. في حين يتيح البرنامج الأمريكي التجسس على 3 ملايين رسالة في الدقيقة ! "
و حينما اعتززت بهاته الخاصية الإسلامية، فى زمن تراجع فيه الإسلام كواقع ليحصر في الجانب النظري، حيث لم تعد للمسلم حرمة لم تـنتهك، وعرضا لم يستبح، و خصوصية لم تكتشف سرا أو الإكراه من قبل الإرهاب العلماني الحاكم للحاكم . أقول، لئن اعتززت بهذا الجانب المغتال سلفيا فلكون امتي قد انفردت به حينا من الدهر، دون سائر الأمم .
أعتز بان ديني يحرم التعذيب :
كما أعتز بتحريم ثقافتي الإسلامية تعذيب المشبوه فيهم قصد استخراج اعترافات تدينهم، لأن الإصل في الإسلام براءة الذمة و المتهم برىء حتى تظهر ادانته، هذا من ناحية، و أما من ناحية أخرى، فلأن الإسلام لا يسعى الى ايقاع العقوبة بالناس، شعاره في ذلك قول رسول الله لمن بلغ عن أخية هلاّ سترته بثوبك ؟! و لعل في جملة ابي الدرداء للمرأة السارقة ما يدل على ما ذهبت اليه فقد خاطبها قائلا "هل سرقت ؟ قولي لا " فلن يبرّأ في شرعة الإسلام متهم, أفضل من ان يتهم بريء, و لعل هاتين الشهادتين تبديان عظمة الإسلام، حين يكون على رأس ادارته أمثال عمر بن عبد العزيز رحمه الله فقد " كتب اليه عديّ بن أرطأة والي البصرة يقول: إن قبلي أناسا من العمّال[ المسؤولين الإداريين ] قد اقتطعوا من مال الله عز وجل مالا عظيما [ استغلوا مناصبهم لتحصيل ثراء غير مشروع] لست أرجو استخراجه من أيديهم الا أن أمسّهم بشيء من العذاب،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 45 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في ذلك فعلت !. فكتب اليه عمر: " العجب كل العجب من استئذانك إياي في عذاب بشر, كأنيّ لك جنة[ حماية] من عذاب الله, وكأنّ رضاي عنك ينجيك من سخط الله عز وجل. فانظر من قامت عليه بينة, ومن اقرّ لك بشيء, فخذه بما اقرّ به. و أيم الله, لإن يلقوا الله بخياناتهم، أحبّ اليّ من ان القى الله بدمائهم". و كتب اليه احد ولاته "إني قدمت الموصل فوجدتها من اكثر البلاد سرقا و نقبا، فإن اذنت لي آخذ الناس بالظنة و اضربهم على التهمة فعلت, و لن يصلحهم غير ذلك" فكتب اليه عمر رحمه الله:" خذ الناس بالبينة و ما جرت عليه السنّة, فإن لم يصلحهم الحقّ فلا أصلحهم الله !!"
و حينما اعتز بتلك الخاصية في ظرف زمني تحول فيه العالم الثالث عموما و العالم الإسلامي خصوصا الى مسلخ كبيرتنتهك فيه آدمية الإنسان. فلكون تلك الخاصية قد تفردت بها مدنيتنا دون سائرالمدنييات .
ولئن ابغضت المنظومة السلفية عرفا و شرعا، فلأنها تعيق خلاص البشرية من النظم الإرهابية,
و على ذكر الحرية، لنقرأ معا ما كتبه الأب ميشال لولون في مؤلفه "الكنيسة الكاثوليكية في الإسلام" لنسجّل بكل اسف، إدراك رجل الدين المسيحي، ما دعا أحمد بن حنبل الى خلافه، حين فرض على المسلم الذوبان في حاكمه الظالم، و التضحية بحريته الفردية في سبيلا لإبقاء عرشه , فقد كتب في ص 123 " ان الإيمان بالله بالنسبة لكل من المسـلمين و المسيحيين، ليس اغــترابا أو استـلابا، كما يحلو للبعض ان يدّعي ذلك، بل على العكس، انه يمكن الإنسان من ان يعي ذاته حق الوعي، و يجعله يشعر حقيقة بأنه حرّ ... ففي الإسلام كما في المسيحية، ان قوة الإنسان و ضعفه رهينان بحريته "إهــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 46 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل
اعتز بما أتاحه الإسلام من حرية النقد و التعبير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" إنّ النقد هو أفضل أداة بناء عرفها العقل البشري"
كانط
كما اعتز بالمقدار الكبير من حرية النقد السياسي الذي أتاحه الإسلام للفرد ، دون تعرضه الى تتبع أو مساءلة. و لقد ضرب رسول الله المثل الأعلى في رحابة الصدر و التسامح ازاء اتهامات المنافقين الباطلة له، و التي تولى القرآن الكريم الردّ عنها دون تكليف الرسول بايقاع العقوبة بهم , كما تجلت رحابة صدر محمد حينما تعرض له اعرابي و جذبه جذبة من ازاره اثرت في عنقه الشريف مطالبا اياه " بمال الله الذي ليس مال ابيه حتى يمنعه عنه "! كما كان رحب الصدر الى حد كبير، حينما شكك أحد الأعراب في نزاهته و عدله, بل و في شرف زوجته الطاهرة ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها و عن ابيها الصديق. ورغم كل ذلك فلم يعهد عنه صلى الله ليه و سلم الا حسن الخلق واحتمال الأذى، كما سلك الراشدون من الخلفاء مسلك رسول الله في حث الرعية على الجهر بقول الحق، الى حد تعرض امرأة مجهولة الإسم الى عمر وصححت كلاما قاله، حتى اذعن لها وقال كلمته المشهورة: صدقت امرأة و اخطأ عمر. و لكم كان عمر محقا حينما خاطب المسلمين بقوله: لا خير فيكم ان لم تقولوها ـ كلمة الحق ـ و لا خير فينا ان لم نسمعها" ولقد تجاوز صبر عمر و تسامحه، الى حد غض النظر عن تهديد بالقتل، جاء من قبل مملوك فارسي فلم يملك عمرالا ان تركه حرا ليقتله بعد ذلك بايام قليلة، لأن الأصل براءة الذمة، ما دام الرجل قد لمّح و لم يصرّح، و ان كان وقع تلميحه بمثابة التصريح، لمن كان في فطنة الفاروق عمر و ذكائه. و لكم كان الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز عظيما، حينما تصدى له رجل و هو يخطب ليقول له:" اشهد انك فاسق ! فردّ عليه عمر : إجلس، فانا لا اقبل شهادتك "!.
فاتاحة حرية النقد والتعبير، ثم ان تقييد الحكام بقيد الورع و سلطة احكام الشريعة، لكف اذاهم عمن تصدى لنقدهم، هي صمام امان لبقاء امة ما على قيد الحياة, و لايهم إسلاميا لو ذهب الملايين من الأفراد فداء لديمومة تلك الحرية و استمرارها، لأن الأفراد مهما علت قيمتهم ليسوا الأصل، بل التزام المبدأ والعمل به هو الأهم، ولعل ذلك ما ادركه مفكروا الغرب بعد ثلاثة عشر قرنا من الزمان عندما اعلن شاتو بريان " اننا لن نخسر شيئا ما لم نخسر حرية الرأي" أما من وجهة النظر السلفية، فان إزهاق أرواح بضعة افراد من الحرس الملكي، يعتبر مفسدة كبرى يجوز في التضحية بالإسلام شريعة و أتباعا في سيبل درئها، بموجب قاعدة أمنية بائسة تنص على أن( درء المفاسد مقدم على جلب المنافع !) .
و لأجل أن حرية الرأي زهرة لا تنبت في مناخ ملوث بداء الإستبداد,سعى الإسلام الى الحدّ من صلاحيات الحاكم، من خلال الفصل بين السلطات القضائية والتشريعة والتنفيذية، وعدم وضع تلك السلطات في يد حاكم فرد, الأمر الذي ادركه الغرب بالتجربة، بعد دماء غزيرة " فقد جاءت الشريعة الإسلامية من يوم نزولها، بنظرية تقيد سلطات الحاكم، فكانت اول شريعة قيدت سلطات الحكام و حرمتهم حرية التصرف، والزمتهم ان يحكموا في حدود معينة... و تقوم النظرية على ثلاث مبادىء أساسية، أولها وضع حدود لسلطة الحاكم، ثانيهما مسؤولية الحاكم عن عدوانه و اخطائه، ثالثهما تخويل الأمة حق عزل الحاكم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 47 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وضع حدود لسلطة الحاكم : كانت سلطة الحاكم قبل نزول الشريعة سلطة مطلقــة لا حد لها ولا قيد عليها، و كانت علاقة الحاكمين بالمحكومين قائمة على القوة البحت، و من القوة، كان الحاكم يستمد سلطانه، وعلى مقدار قوته، كانت سلطته... و جاءت الشريعة فاستبدلت بهذه الأوضاع البالية، اوضاعا جديدة تتفق مع الكرامة الإنسانية و الحاجات الإجتماعية، فجعلت اساس العلاقة بين الحكام والمحكومين تحقيق مصلحة الجماعة، لا قوة الحاكم أو ضعف المحكومين . و تركت للجماعة حق اختيار الحاكم الذي يرعى مصلحتها و يحفظها، وجعلت لسلطة الحاكم حدودا ليس له ان يتعداها، فان خرج عليها كان عمله باطلا، و كان من حق الجماعة ان تعزله و تولي غيره لرعاية شئونها .
مسـئولية الحاكم عن عدوانه وأخطائه: و بعد ان بينت الشريعة واجبات الإمام ،أي الحاكم و حقوقه وحددت سلطته على الوجه السابق، جعلته مسئولا عن كل عمل يتجاوز به سلطاته سواء اتعمد هذا العمل أم وقع العمل نتيجة اهماله. و لم تكن الشريعة في تقرير مسئولية الحكام عن تصرفاتهم الا متمشية مع منطق الأشياء، فقد بينت للحاكم حقه وواجبه و الزمته بان لا يخرج على احكام الشريعة، و جعلته كفرد عادي، فلم تميزه على غيره باية ميزة، فكان من الطبيعي، تحقيقا للعـدالة و المساواة، و استجابة للمنطق، ان يسأل الحاكم عن كل عمل مخالف للشريعة، سواء اتعمد هذا العمل او وقع منه نتيجة اهماله، ما دام كل فرد يسأل كذلك عن اعماله المخالفة للشريعة (1)
تخويل الأمة حق عزل الحكام: أما الحاكم الذي لا يقوم بالتزاماته او يخرج على حدوده فليس له ان ينتظر من الشعب السمع و الطاعة، وعليه هو ان يتنحى عن مركزه، لمن هو اقدر منه على الحكم في حدود ما انزل الله، فان لم يتنح مختارا نحاه الشعب مكرها و اختار غيره ... و قد سبقت الشريعة الإسلامية بنظريتها، كل القوانين الوضعية في تقييد سلطة الحكام، و تعيين الأساس الذي تقوم عليه علاقة الحاكمين بالمحكومين. و في تقيد سلطان الأمة على الحكام، وأول قانون وضعي اعترف بعد الشريعة بسلطان الأمة على الحكام، هو القانون الأنجليزي، و كان ذلك في القرن السابع عشر، أي بعد ان قررت الشريعة نظريتها باحد عشر قرنا، ثم جاءت الثورة الفرنسية في نهاية القرت الثامن عشر و على اثرها انتشر هذا المبدأ في القوانين الوضعية " (2)
فشتان بين منظومة حكم اسلامية صارمة، لا خلل فيها و لا منفذ للتهوئة يسمح لظالم بنسمة هواء تطيل اجله لحظة واحدة. و بين منظومة سلفية مفتوحة الفخذين لا ترد يد لامس، ولا رغبة فاجر. نظرية تتيح للحاكم الإنطلاق كثورهائج محطما في طريقه كل رطب و يابس, و مستهدفا كل ذات روح، و مميتا كل أمل في حاضر آمن و غد مشرق.
و لولا جنايات المنظومة السلفيةالتي وهبت للملوك المغتصبين و طلاب السلطة المغامرين من صلاحيات لم يحلم بنيل معشارها ستالين ولا بريجنيف, لما كانت أمتنا أذلّ من السقبان بين الحلائب، وأهون على الكفار من جيفة حمار. رغم ثرواتها الضخمة، و استعداد شبابها للتضحية بدمائهم في سبيل عزة الإسلام و نصرته.
و لئن اغلظت القول على السلفية فلأجل ان" النكاية على قدر الجناية " و(( جزاء سيئة سيئة مثلها )) و لأجل انني لن اعفو و لن اصفح (( و لمن انتصر بعد ظلمه فما عليه من سبيل)) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الشهيد عبد القادر عودة التشريع الجنائي مقارنا بالقانون الوضعي ج 1 ص 44
(2) نفس المصدر ص 45و 46
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 48 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل
أعتز بمحاربة ثقافتي الإسلامية النزعات العنصرية وإقرارها المساواة بين الأفـــراد على اختلاف اعراقهم و المساواة بين الحاكم و المحكوم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و لئن اعـتز قوم بدساتير ظاهرة الإنحياز الى خدمة عرق او شعب او طائفة على حساب اعراق و شعوب و طوائف اخرى حكم عليها بعبودية ابدية , كل ذلك بموجب قوانين شرعوها في منذ القدم فاني اعتز باسلامي الذي سوى بين البشر، وأعطى لجميعهم حقوقا متساوية.
و لئن دعا فلاسفة الإغريق أمثال ارسطو و افلاطون" الى شرعة الرق و[ وضرورة] تقسيم المجتمع الى سادة و عبيد، حيث كان يريان ان العبودية أمر عادل تفرضه الطبيعة " فإن اعتزازي بشريعتي الإسلامية لا يضارع ابدا " حيث جاءت من وقت نزولها بنصوص صريحة تقرر نظرية المساواة (بين الأجناس) و تفرضها فرضا، فالقرآن يقرر المساواة و يفرضها على الناس جميعا في قوله تعالى (( يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر و انثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم)) الحجرات 13، والرسول يكرر هذا المعنى في قوله الناس سواسية كاسنان المشط لا فضل لعربي على اعجمي الا بالتقوى. ثم يؤكد هذا المعنى تاكيدا في قوله: ان الله قد اذهب بالإسلام نخوة الجاهلية و تفاخرهم بآبائهم لأن الناس من آدم وآدم من تراب . و يلاحظ على هذه النصوص انها فرضت المساواة بصفة مطلقة، فلا قيود و لا استثناءات و انها المساواة على الناس كافة أي على العالم كله، فلا فضل لفرد عل فرد، و لا لجماعة على جماعة، و لا لجنس على جنس، و لا للون على لون، و لا لسيد على مسود، و لا لحاكم على محكوم، و هذا هو نص القرآن يذكر الناس انهم خلقوا من اصل واحد من ذكر و انثى و لا تفاضل اذا استوت الأصول، و انما مساواة " (1)
و قد ترجم النبي محمد تلك الأوامر الربانية الى ممارسة عملية، حين زوج بنت عمه زينب بنت جحش و هي الشريفة عبدا اسودا ( زيد بن حارثة ) و حين عين ابن ذلك العبد ( أسامة بن زيد ) قائدا عسكريا ليقود الجيش الأسلامي الذي يضم كبار اشراف العرب!.
و لئن عصفت الردة السلفية بذلك المبدا العظيم، لما شرعت التمييز العنصري باقرار مبدأ وراثة الحكم على اساس عنصري (الأئمة من قريش)، و لئن غضت السلفيةالعمياء طرفها عن قصور السلاطين التي تعج بالرقيق و الخصيان, فإن شرف تشريع ثم تنفيذ نظرية المساواة بين البشر و لردهة طويلة من التاريخ الإنساني، تبقي مبعث مفخر اسلامية و مصدر اعتزاز لا تجارينا فيه امة من أمم الأرض ,خصوصا اذا تأكد لدينا ان الحضارة الغربية، و منذ فجرها اليوناني، قسمت الشعوب بين سادة و عبيد حين اعلنت أن "روما سادة و من حولها عبيد" ثم قسمت شعب روما ذاته الى احرار و رقيق، معلنة ميلاد عنصرية بغيضة ما زالت البشرية ترزح تحت كلكلها و تنوء بتبعاتها الى ايامنا هذه، التي شهدنا فيه بام أعيننا سلوك الأدارة الإمريكة المخجل، وهي تتخلى عن انقاذ مواطنيها السود من براثن اعصار كاترينا المدمّر( لا يغرن القاريء اختيار أمريكا رئيسا أسود،(باراك بن حسين أوباما!)،فاوباما ليس من فئة الأحرار التي يمثلها مارتن لوثر كينج، فقد جيء به بعد ردته عن دين الإسلام، ليكون أداة امبريالية رخيصة تستخدمها الإدارة الأمريكية لمزيد خداع شعوب الأرض و التلبيس عليهم).
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) عبد القادر عودة التشريع الجنائي في الإسلام مقارنا بالقانون الوضعي ج1 ص 26
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 49 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و لئن تفوقت حضارتنا الإسلامية في سمو نظرتها للكائن البشري مهما كان لون بشرته(*) ، فقد تفوقت ايضا في اقرار مبدأ المساوة في الحقوق " حيث كان القانون الوضعي حتى آخر القرن الثامن عشر، يميز بين الأفراد و لا يعترف بالمساواة بين المحكومين, و كان يميز بينهم في المحاكمة و في توقيع العقوبة، وفي تنفيذ العقوبة، و كانت المحاكم تتعدد تبعا لتعدد طوائف الأمة. فللأشراف محاكم خاصة و قضاة من طبقة معينة، و لرجال الدين محاكم خاصة، و للجمهور محاكم خاصة، و لكل من هاتين الطائفتين قضاتها. و كانت الجريمة الواحدة يعاقب عليها امام هذه المحاكم المختلفة بعقوبات مختلفة. و كان لشخصية الجاني اعتبارها في القانون، فالعمل الذي ياتيه الشريف و يعاقب عليه باتفه العقوبات, يعاقب عليه الشخص العادي اذا اتاه باقسى العقوبات ... و كانت بعض الأفعال تعتبرجرائم اذا اتاها العامة يحاسبون عليها اشد الحساب، بينما ياتيها الأشراف و رجال الدين في كل وقت، فلا يحاسبون عليها و لا يحاكمون عنها كان .هذا شأن القانون الجنائي الوضعي حتى اواخر القرن الثامن عشر او حتى جاءت الثورة الفرنسية فجعلت المساواة اساسا من الأسس الأولية في القانون واصبحت القاعدة ان تسري نصوص القانون على الجميع، و لكن مبد أ المساواة بالرغم من ذلك لم يطبق تطبيقا دقيقا حتى الآن "(1)
و قد برأ القرآن الكريم يهوديا اتهم بسرقة ارتكبها مسلم! وفي بادرة غريبة عن القرون التي نزل فيها القرآن الكريم" سوت الشريعة بين رؤساء الدول و الرعايا في سريان القانون و مسئولية الجميع عن جرائمهم و من أجل ذلك، كان رؤساء الدول في الشريعة اشخاصا لا قداسة لهم و لا يمتازون على غيرهم واذا ارتكب احدهم جريمة عوقب عليها كما يعاقب أي فرد" (2)" و لقد اعطى ابو بكر الصديق القود من نفسه، و أقاد للرعية من الولاة، و فعل عمر بن الخطاب مثل ذلك و تشدد فيه فاعطى القود من نفسه اكثر من مرة كل ذلك تأسيا برسول الله الذي " خرج اثناء مرضه الأخير بين الفضل بن عباس وعلى حتى جلس على المنبر، ثم قال يا ايها الناس من كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد منه و من كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد منه، و من كنت اخذت له مالا فهذا مالي فليأخذ منه، ولا يخش الشحناء من قبلي، فانها ليست من شأني ،ألا و ان احبكم الي من أخذ مني حقا ان كان له أو حللني، فلقيت ربي و انا طيب النفس "(3) و قد جرى العمل في الشريعة على محاكمة الخلفاء والملوك والولاة امام القضاء العادي، فهذا هو علي بن ابي طالب في خلافته يفقد درعا له و يجدها مع يهودي فيرفع امره الى القاضي فيحكم لصالح اليهودي! وهذا هو المغيرة والي الكوفة يتهم بالزنا فيحاكم على الجريمةالمنسوبة اليه بالطريق العادي، و يقص علينا التاريخ ان المأمون اختصم مع رجل بين يدي يحيى بن اكثم قاضي بغداد فدخل المأمون الى مجلس يحيى و خلفه خادم يحمل طنفسة لجلوس الخليفة فرفض يحيى ان يميز المأمون على احد افراد رعيته و قال يا امير المؤمنين لا تأخذ على صاحبك شرف المجلس دونه فاستحيا المأمون" (4).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) من علامات قرب قيام الساعة لدى المسييحيين، اختيار الفاتيكان بابا أسود اللون !،( شاعت هاته العقيدة بعيد موت البابا جون بول الثاني واستعداد الفاتيكان لإختيار خليفته!) كما صعق اصحاب الضمائر في النرويج في شتاء 2008، حين طرد القس الأسود جوزيف موابا من مقبرة كانت ملحقة بكنيسة، بسبب تقدمه لأداء شعائر صلاة الجنازة على ميت أبيض البشرة !.
(1) عبد القادر عودة التشريع الجنائي في الإسلام مقارنا بالقانون الوضعي ج1 ص 310
(2) نفس المصدر ج 1 ص 317
(3) نفس المصدر ج1 ص 318
(4) نفس المصدر ج 1 ص 319/320
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 50 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و لولا عبث المنظومة السلفية الكريهة التي لم تدع جميلا الا قبحته، و لا مستقيما الا عوجته، و لا مبينا من القول ألا طلسمته، لأستمرت تلك الصور المضيـئة من المساواة بين الحاكم و المحـكوم، و لأستمرت تلك المأثرة التي لم تعرفها امة من الأمم منذ فجر التاريخ الإنساني الى زمن الحصانات الديبلوماسية والبرلمانية و الرئاسية التي تمكن لأشهر الزناة من الإفلات من طائلة العقوبات ومن دفع فواتير جرائمة الجنسية حتى بعد انتقضاء ولا يته.
لئن كانت " نظرية المساواة قد بلغت في الشريعة درجة الكمال المطلق, فانها في القانونلأ الوضعي] لا تزال كالطفل الذي يحسن ان يحبو، و لا يستطيع ان يقف على قدميه "(1)
ـــــــــــــــــــ
(1) عبد القادر عودة . نفس المصدر ج1 ص 341 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 51 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سئل ارمني هل تعرف المتنبي؟ قال معلوم بأعرف، هذا شاعر عربي كبير. هذا يقول بابور يمشي هيك، هواء يمشي هيك !(يقصد تجري الرياح بما لا تشتهي السلفن!)... باختصار شديد ان معرفة السلفية باسلامنا لا تختلف عن معرفة ذلك الأرمني بالمتنبي!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 52 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل
اعـتز بحضارتنا الإســــلامية التي تفردت بعملها و لقرون مديدة بمبدأ التعايش السلمي بين أصحاب الثقافات والديانات المتناقضة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لعل من صور عظمة هذا الدين التى لا تجارى، تشريعه للتعايش السلمي مع الآخر المخالف في الدين، مع حفظ حقوق ذلك المخالف الى حد تقديمه على اصحاب الديانة الرسمية للدولة اذا ما تعرض لضيم و قد حدث في عهد رسول الله ان اتهم يهودي بسرقة اقترفها مسلم فنزلت الآيات القرآنية القرآن لتبرىء ساحة اليهودي و تدين المسلم و تطلب من الرسول ان يستغفر الله لأنه وثق في شهود زور دافعوا عن السارق المسلم. و امره تعالى أن لا يكون مدافعا عن السرّاق رغم انه عليه السلام قد خدع بتلك الشهادة (( ولا تكن للخائنين خصيما و استغفر الله ان الله كان غفورا رحيما و لا تجادل عن الذين يختانون انفسهم ان الله لا يحب من كان خوانا اثيما)) النساء105/107 .
كما منح المخالف في الدين حرية ممارسة ما يعتقده حلالا، فلو كسر مسلم زجاجات خمرأو أتلف لحم خنزير لنصراني لألزم بدفع ثمنها," و يبلغ من احترام الحرية الدينية عند المسلمين ان يقبلوا زواج المجوسي من ابنته ما دامت شريعته تبيح له ذلك و في المغنى : مجوسي تزوج ابنته فأولدها بنتا ثم مات عنها فلهما الثلثان!"
" فالإسلام لم يقم بتة على اضطهاد مخالفيه او مصادرة حقوقهم او تحويلهم بالكره عن عقائدهم او المساس الجائر باموالهم و اعراضهم و دمائهم. و تاريخ الإسلام في هذا المجال انصع تاريخ على وجه الأرض، و ليت التواريخ الأخرى تقترب من ليونته و سماحته، أقول تقترب منه ولا أقول تشابهه لأن الواقع المقبض ( المرير) فيما حفظته الدنيا من حروب التعصب و غارات الإبادة و التجني يجعلنا لا نشطح مع التمنى، و لا نسرح مع الخيال، و سيبقى مسلك هذا الدين مثلا اعلى لأروع ضروب الإعتدال والتسامح، مهما اجتهد المرجفون و نفثوا في افقه الدخان"(1).
كما راعى الإسلام حرمة بيوتهم المخالفين في الدين عملا بوصية رسول الله " ان الله لم يحل لكم ان تدخلوا بيوت اهل الكتاب الا باذن" و قد استبشر اقباط مصر خير حينا خلصهم الإسلام من ظلم بني عقيدتهم ذلك أنه " لما اراد هرقل ان يفتنهم عن مذهبها المسيحي و ان يلزمهم بتنفيذ قرار مجمع خلقدونية و ابى الأقباط ذلك، صب عليهم الرومان سوط عذاب و تحولت الكنائس و الأديرة القبطية الى سجون تحفل بالوان الأذي، و جيء بأخي الأسقف الأكبر بنيامين فوضع على منصة اوقدت تحتها المشاعل و سلطت نارها على بدنه فاخذ يحترق حتى سال دهنه على جانبيه على الأرض، و لما لم يتزحزح عن عقيدته خلعت اسنانه ثم قاده الجلادون الى الشاطىء و عرضوا عليه ان يترك دينه و يخضع لقرار المجمع فأبى، فرموا به الى البحر و ابتلعته أمواج اليم . فلما طرد المسلمون الروم من مصر، تنفس الأقباط الصعداء. و ما حدث في مصر حدث في الشام فقد كتب ميخائيل السوري بطريرك انطاكية يقول: ان رب الإنتقام استقدم من المناطق الجنوبية ابناء اسماعيل لينقذنا بواسطتهم من ايدي الرومانيين ".(2)
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) محمد الغزالي. التعصب و التسمامح بين المسيحية و الإسلام ص 6و7
(2) نفس المصدر ص 108/109
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 53 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تلك ممارسات الكنيسة" التي لا تطيق ان يعيش بجانبها رأي يخالفها في الفروع التافهة، فكيف تسمح بالبقاء لدين ينكر سلطة رجالها لأنه لا يرى بين العباد و ربهم وسائط و ينكر عقيدة الفداء التي ترتكز عليها لأنه يبني الجزاء على عمل الإنسان وحده "(1)
" و معاملة الإسلام لمن لا يدينون به من اهل الذمة قامت منذ العصر الأول على قاعدة اصيلة لم يثر حولها نقاش كمبدإ مشروع، و لم يضطرب تطبيقها على توالى الأزمنة إلا فلتات شاذة لا يجوز الإكتراث بها أو الإلتفات اليها، و قد استقرت الأقليات في الشرق الإسلامي دهورا في ظل ذا المبدأ العادل بينما بادت الأقليات الإسلامية في الغرب لأنها لم تجد مثل هاته المعاملة النبيلة " (2) .
" و قد بلغ من مرونة النظام الإسلامي ان اعتبر أهل الذمة جزءا من الرعية الإسلامية و لعل وثيقة المدينة التي حررها رسول الله ليقر بها حقيقة التعايش بين الأديان تعد ارقى وثيقة لحفظ كرامة و حقوق الإنسان عرفتها البشرية في كل عصورها . كما تعد الوثيقة التي كتبها عمر مع اسقف بيت المقدس اثر فتح المسلمين لها في عهده مفخرة عظمى في حضارتنا حتى ان الدكتور أ.س. ترتون مؤلف " أهل الذمة في الإسلام " لم يملك حيال ترفق عمر بنصارى بيت المقدس الى حد التدليل أن كتب في هذا العهد الاحظ نقاطا بالغة الغرابة ذلك انه لم تجر العادة ان يشترط المغلوبون الشروط التي يرتضونها ليوادعهم الغالب !" (3)
كما تعد شهادة كلود كاهان صاحب كتاب " الشرق و الغرب في عصر الصليبيين " خير دليل على ما ذكرنا حيث كتب في ص من مؤلفه" الواقع ان نظام الذمة الذي سنه الإسلام لأهل الكتاب كان يضمن لليهود و النصارى حماية اشخاصهم و ثقافتهم و اموالهم . حقا ان نظام الذمة يمثل حقيـقة أوسع اشـكال التسامح الذي لم يعرفها أي مجتمع آنذاك " ( و الكتاب من نشر مكتبة اوبير باريس 1983 والفقرة منقولة من كتاب الأب ميشال لولون " الكنيسة الكاثوليكيية في الإسلام ص 23 "
" و في الأخبار النصرانية شهادة تؤيد هذا القول وهي شهادة البطريرك "عيشويابه" الذي تولى منصبه 647ــ 658هــ اذ كتب يقول:" ان العرب الذي مكنهم الرب من السيطرة على العالم يعاملوننا كما تعرفون، انهم ليسوا باعداء للنصرانية بل يمتدحون ملتنا، و يوقرون قدّيسينا وقسّيسينا و يمدون يد المعونة الى كنائسنا و اديرتنا "(4) .
و" مسلك عمر و غيره ليس الا استجابة لقول الله تبارك و تعالى { يا ايها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط . و لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى و اتقوا الله ان الله خبير بما تعملون} المائدة 8 (5) .
" ففي حين يقبل المسلمون وجود اديان مغايرة لدينهم ويـرفضون اكراه احد على ترك ملته و يرضون ان يتألف المجتمع من مسلمين و غير مسلمين و يشرعون نظما عادلة لتطبق عليهم و
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نفس المصدر ص 153
(2) نفس المصدر ص 48
(3) نفس المصدر ص 51
(4) نفس المصدر ص 46
(5) نفس المصدر ص 48
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 54 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على من في ذمتهم من مسيحيين و يهود، نرى المسيحية تتبرم بالديانات الأخرى و ترسم سياستها الظاهرة و الباطنة لإبادة خصومها أو تحقيرهم و حرمانهم، حتى ترغمهم على ترك دينهم و تجبرهم على النصرانية جبرا، و بينما يقول القرآن ( لا إكراه في الدين ) البقرة 256 تنسب الكتب المقدسة الى المسيح انه قال لحوارييه: أجبروهم على اعتناق دينكم !(1) " و منذ اللحظة الأولى لظفر الكنيسة بسلطة مدنية في عهد قسطنطين( حوالي 325 ) دخل مبدأ الكبح العام و استمر عشرة قـرون شداد رسف فيها العقل و القلب في الأغلال، وعاني من قسوته اليهود و الوثنيون كثيرا ... فأصدر قسطنطين قانونا يقضي باحراق كل يهودي يلقي على من اعتنق المسيحية حجرا، و عقاب كل مسحي تهود ،ثم عدل العقاب الى مصادرة الأملاك. فان تزوج يهودي بمسيحية أعدم "(2) " و لا يتصور بداهة في قوم تلك أحوالهم، ان يوظفوا في حكمهم يهوديا او نصرانيا مثلما هو شاع في بلاد المسلمين، بل ان اتباع المذهب المسيحي الواحد يحرمون ان يلي عملا بينهم صاحب مذهب مسيحي آخر، و قد حدث في القرن الثامن عشر ان قتل محام بروتستانتي لأن القانون الفرنسي يومئذ يحظر مهنة المحاماة على البروتستانت!. و قد حار هذا الحقوقي البائس بين التعطل والإرتداد عن مذهبه الى الكاثوليكية ليستطيع العمل في مهنته و لكن ارتداده يثير عليه اسرته المتعصبة، ثم انتهت هذه الحيرة بمقتله و اتهم ابوه باغتياله فاعدم!ّ, ووقعت في العصر نفسه قصة مشابهة تسمى مأساة سيرفين فان, امرأة كاثوليكية كانت تخدم اسرة بروتستانتية فاغرت ابنتها بالفرار الى دير كاثوليكي حيث سيمت سوء العذاب لتغيير عقيدتها غير ان الفتاة تخلصت من عذابها بالإنتحار غرقا في بئر، فاتهمت السلطات الكاثوليكية اباها باغراقها ليحول دونةارتدادها عن دينها ثم صدر حكم قضائي بقتل الرجل وامرأته و مصادرة املاكهما، هذه المسالك المنكرة شاعت في معاملة المسيحيين بعضهم مع بعض " (3) .
" و في سنة 1688 اصدر البرلمان الأنجليزي قانون الحقوق، وهو ينص على جعل البروستانتية دينا رسميا لأنجلترا، و يحرم على الكاثوليك القيام بعبادتهم في البلاد الإنجليزية. و في السنة نفسها صدر قانون التسامح و هو يعطي الحرية الدينية بعض الطوائف و ينص على حرمان الكاثوليك و الموحدين (4)
" وهذا التسامح في منح الحرية الدينية، لم يظفر به الغرب الا بعد قرون متطاولة و تضحيات فادحة (5) هذا بخلاف ما كان يحدث في بلاد المسلمين حين استوزر اليهود و النصارى " قال الدكتور ترتون لما لام الناس ابن الفرات ورموه بالكفر لسوقه امارة الجيش الى احد المسيحيين دافع عن نفسه بانه اقتدى بالخلفاء السابقين الذين ولوا النصارى وظائف الدولة و كان هؤلاء العمّال النصارى يلقون كل مظاهر الإحترام. وحدث في بغداد ان دخل احد الوزراءالنصارى و اسمه عبدون بن صاعد على القاضي اسماعيل بن اسحاق فوقف له مرحبا و لا حظ القاضي ان الشهود و بقية الحاضرين انكروا عليه هذا العمل فلما خرج الوزير قال لهم القاضي: قد علمت انكاركم و ان الله عزو وجل يقول ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين و لم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم و تقسطوا إليهم )ــ الممتحنة 8 ــ و هذا الرجل يقضي حوائج المسلمين, وهو سفير بيننا و بين خليفتنا وهذا هو البرّ. فآمن السامعون على قوله و رضوا به " (6) .
ـــــــــــــــــــــــ
(1) محمد الغزالي. التعصب و التسامح بين المسيحية و الإسلام ص 57
(2) نفس المصدر ص 93 نقلا عن كتاب توفيق رالطويل
(3) محمد الغزالي التعصب و التسامح بين المسيحية و الإسلام ص 58
(4) نفس المصدر ص 111
(5) نفس المصدر ص 110
(6) نفس المصدر ص 59 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 55 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" و في سنة 529 استوزر الحافظ لدين الله مسيحيا أرمنيا يدعى بهرام و يلقــب بتاج الدولة ! و قد عمد بهرام هذا الى فصل المسلمين عن وظائفهم و تعيين مسيحيين بدلهم، و نحن نتساءل في اي عهد من التاريخ المسيحي استوزر الملوك المسيحيون يهودا أو مسلمين، بل في أي عهد استوزر الكاثوليك بروتستانتيا أو بالعكس (1) و" نلاحظ أن حرب الثلاثين عاما التي اشتعلت في اروبا خلال القرن السابع عشر للميلاد قد انتهت بصلح عجيب، اذ منحت كل أمير الحق في اختيار الدين الذي يفرضه على شعبه ! و هذا المسلك النابي يدل على قيمة الحرية الفردية في اروبا قديما (2) .
ولا زالت تطالعنا رغم الطابع العلماني للدول المسيحية أصوات تدعو جهارا الى طرد المسلمين من بلادهم التي يعدون فيها " أهون موجود وأعزّ مفقود " حيث لم يكونوا ليقبلوا فيها لولا حاجة تلك الدول الى من يؤدي عنهم الأعمال الشاقة و المهينة. فقد كتبت صحيفة الفرنسية " يمكن للإيطاليين و الإسبانيين و البرتغاليين ان يستقروا عندنا، و ان يعيشوا في بلادنا بدون صعوبة تذكر، اما المغاربيون فلا يمنكهم ذلك، لأنهم لا يعتنقون ديننا، فنحن لنا كنائسنا و هم يريدون ان يبنوا مساجد في بلادنا، و ليس بخاف على احد ما يشكله الإسلام من تهديد للهوية الوطنية وخطرعلى القيم اليهوية ــ المسيحية للغرب,انه دين لا يتلاءم و علمانيتنا، لذا واجب المغاربيين إذا ارادوا ان يقيموا ببلدنا، أن يتخلوا عن الممارسة الجماعية و العمومية لتعاليم دينهم "(3) .
وقد بلغ ضيق صدر الدولة الفرنسية باحتمال الآخر المخالف في الدين، الى منع بيع الكتب الإسلامية التي تتحدث عن الحلال و الحرام و مصادرتها من المكاتب العامة، و الي حظر الحجاب في المدارس العمومية، رغم تشدقها بحقوق الإنسان. كما تجاوزت مملكة النرويج كل حدود اللياقة و احترام حقوق الإنسان، حين فرضت على ابناء المسلمين حضور حصص تعليم المسيحية في مدارسها الإبتدائية، وهي بادرة لم تعرفها أية دولة اروبية في زماننا، على الرغم من بنود الإعلان العام لحقوق الإنسان و " على الرغم من القرار النهائي لهلسنكي في 4"11/1988 الذي طالب كل الدول باحترام حرية الآباء في تربية ابنائهم تربية دينية و اخلاقية تبعا لمعتقداتهم الخاصة "
و لعل أسوا الأصوات المنادية الي تصفية الوجود الإسلامي بإذابته في التركيبة الغربية، تلك التي تصدر عن بعض الأحزاب المسيحية الحاكمة حيث " فوجىء المسلمون في المانيا و في اروبا باكملها، و بطريقة سرية باعلان " هيربرت ريش " وزير داخلية ولا ية " بادن فولرتمبرج" وعضو الحزب المسيحي الديمقراطي الحاكم في الولاية ,عن تطبيق نظام جديد من أول يناير يجبر من يسعون للحصول على الجنسية الألمانية من المسلمين بالإجابة عن قائمة من 30 سؤالا اطلق عليها "امتحان الضمير" لإثبات ولائهم للدستور الألماني، و هو ما تم التركيز على انه سيطبق على المسلمين فقط , وبالذات مواطنوا بلاد منظمة العالم الإسلامي الــ 57 و ان من يجيب بطريقة خاطئة فلن يحصل على الجنسية الألمانية... فالسؤال الأول و الثاني يتحدثان عن موقف طالب الجنسية من النظام الديمقراطي الغربي . والثالث والرابع حول الأعمال الفنية التي توجه الإنتقاد للأديان وكيفية التعامل مع ذلك . والخامس حول مسألة دعم أي حزب او جماعة مخالفة للدستور.والأسئلة من السادس حتى الحادي عشر حول تعامل الرجل مع زوجته و مسألة المساواة
بينهما وهل هناك وطائف خاصة للمرأة . و بينما ركز السؤال السادس على موضوع طاعة المرأة
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) نفس المصدر ص 60 .
(2) نفس المصدر ص 104
(3) الأب ميشال لولون " الكنيسة الكاثوليكية في الإسلام " ص 146 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 56 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لزوجها أو ضربها, تحدث السؤال السابع عن الرأي في وجوب تدخل الشرطة في المشاكل الزوجية و قيامها بطرد الزوج في حالة ضرب زوجته . بينما تركزت الأسئلة من الثاني عشر حتى العشرين على عادات و تقاليد المسلم و مسألة مشاركة البنات في النشاطات المدرسية بما فيها حصص السباحة. بينما قال السؤال الثاني عشرهل تقبل الذهاب لطبيب من الجنس الآخر لفحصك او اجراء عملية لك. بينما جاء السؤال الثالث عشر متناقضا مع احد اهم اسس الإسلام بصورة قاطعة حيث يتساءل: ماذا تفعل لو ان ابنتك تريد الزواج من شخص يدين بديانة اخرى ؟!.و هل هذا يعجبك؟!! هذا في الوقت الذي تحدثت فيه الأسئلة عن مسألة منع الزوجة من ارتداء ملابس ترتديها المواطنات الألمانيات. أو كيفية التصرف مع من يقوم بمضايقات جنسية للإبنة أو الأخت .
وجاء السؤال الحادي و العشرون عن موقف طالب الجنسية ممّن يغير دينه و معاقبته مثلا بمنعه من الميراث. بينما ركز السؤالان22و23 عن الموقف من معرفة معلومات عن قيام جيران او اصدقاء او اقارب بعملية ارهابية اوالتخطيط لها, و هل منفذو11سبتمبر و مدريد ارهابيون ام مقاتلون من اجل الحرية؟ والسؤال 24 حـول الموقف من جرائم الشـرف. و السؤال 25و26 حول امكانية زواج المسلم من امرأتين. لكن السؤال 27 تركز حول موقف طالب الجنسية من الذين يحمـّلون اليهود مسئولية الشر في العالم, أو تحميلهم مسئولية اعتداءات 11سبتمبر...اما السؤال 29 فيقول : ماذا سيكون ردّ فعلك اذا جاء إبنك و قال لك انه شاذ جنسيا, وانه يرغب و بسعادة كبيرة في الحياة مع رجل آخر؟! لكن صدمة المسلمين زادت بحدة مع نشر وكالات الأنباء خبرا يقول ان وزير داخلية ولاية "هيسن " الألمانية "فولكر بوفير" و هو من الحزب المسيحي الديمقراطي الذي يحكم الولاية اقترح وضع جهاز للمراقبة حول ساق "كل مسلم يشتبه به" و هو اشبه بالخلخال .. و هو جهاز هدفه ارسال ذبذبات لمركز المراقبة الرئيسي " (1) .
ثم لا يجب نسيان ما دعى اليه وزير الهجرة الهولندي من ضرورة ترك المسلمين للغاتهم الوطنية و اقتصارهم على التخاطب باللغة الهولندية اثناء تواجدهم في المساجد! و ضرورة موافقة كل امام جديد على زواج الذكر بالذكر !
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وليد الشيخ ـ برلين عن مجلة "الإسبوع " العدد 459بتاريخ 9/1/ 2006 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 57 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" قرر المؤتمر الدولى للقوانين في لاهاي بهولندة عام 1937 ان الشريعة الإسلامية تحمل العناصر الكافية التي تجعلها صالحة للتطور مع حاجات الزمن و المدنية"
الغزالي كيف نفهم الإسلام ص 188
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 58 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل
عظمة دستور المسلمين المتمثل في شريعته المعجزة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على الرغم من"ان القانون حين نشأ كان شيئا يختلف كل الإختلاف عن القانون الآن، و انه ظل يتغير و يتطور حتى وصل الى شكله الحالي، وانه لم يصل الي ما هو عليه الآن الا بعد تطور طويل بطيء استمر الآف السنين "(1) فان القانون ما زال يحبو بالقياس الى شريعتنا الراشدة التي جاءت من أول نزولها " كاملة لا نقص فيها. جامعة تحكم كل حالة . مانعة لا تخرج عن حكمها حالة شاملة لأمورالأفراد والجماعات و الدول، فهي تنظم الأحوال الشخصية و المعاملات وكل ما يتعلق بالأفراد و تنظيم شؤون الحكم و الإدارة و السياسة وغير ذلك مما يتعلق بالجماعة كما تنظم علاقات الدول بعضها بالبعض الآخر في الحرب والسلم. "(2)
" كما جاءت نصوصها من العموم و المرونة بحيث تحكم كل حالة جديدة ولو لم يكن في الإمكان توقعها، و من ثم كانت نصوص الشريعة غير قابلة للتغيير والتبديل كما تتغيّر نصوص القوانين الوضعية و تتبدل "3" وحسبنا ان نعرف ان كل ما يتمنى رجال القانون اليوم ان يتحقق من المباديء موجود في الشريعة يوم نزولها ." (4) .
كما بلغت شريعتنا من الروعة حدا جعل كبار مشرعي الغرب يقعون أسارى كمالها و اعجازها الى حد قرروا في مؤتمر لاهاي سنة 1937 كونها صالحة لكل زمان، وانها على خلاف ما يزعم من جهل القانون و الشريعة معا، ليست لها ادني صلة بما سبقها من تشريعات بشرية, فانبهار المتأمل فيها لا يختلف عن انبهاره بتناسق الكون و دقة تركيبه. فتلك معجزة كونية وهذه معجزة تشريعية.
كما امتازت شريعتنا بنزعتها العقلانية حيث شجعت التفكير وإعمال النظر فجاءت" محررة للعقل من الأوهام و الخرافات و التقاليد والعادات، داعية الى نبذ كل ما لا يقبله العقل، فهي تحث على التفكير في كل شيء و عرضه على العقل، فان آمن به العقل كان محل ايمان، و ان كفر به كان محل كفران، فلا تسمح الشريعة للإنسان ان يؤمن بشيء الا بعد ان يفكر فيه و يعقله، و لا تبيح له ان يقول مقالا او يفعل فعلا الا بعد ان يفكر فيما يقول و يفعل و يعقله. و لقد قامت الدعوة الإسلامية نفسها على اساس العقل، فهاهو القرآن يعتمد في اثبات وجود الله و يعتمد في اقناع الناس بالإسلام، ويعتمد في حملهم على الإيمان بالله ورسوله و كتابه في ذلك كله، اعتمادا اساسيا على استثارة تفكير الناس، و ايقاظ عقولهم، و يدعوهم بشتى الوسائل الى التفكير في خلق السموات و الأرض، و يدعوهم الى التفكير فيما تقع عليهم ابصارهم و ما تسمعهم آذانهم ليصلوا من وراء ذلك كله الى معرفة الخالق و ليستطـيعوا التمييز بين الحق و الباطل( قل انظروا ماذا في السماوات و الأرض) يونس 101 (افلا ينظرون الى الإبل كيف خلقت و الى السماء كيف رفعت الغاشية) 17و قوله :(و ما يذّكّر الا اولو الألباب) آل عمران 7 . و يعيب القرآن على الناس ان يلغو عقولهم و يعطلوا تفكيرهم و يقلدوا غيرهم و يومنوا بالخرافات و الأوهام و يتمسكوا بالعادات و التقاليد دون تفكير، و لا يحكمون عقولهم فيما يعملون أو يقولون او يسمعون. ولأن
العقل هو الميزة الوحيدة التي ميز الله بها الإنسان على غيره من المخلوقات، فـــاذا ألـغى عقله او
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) و (2) و (3) و (4) عبد القادر عودة التشريع الجنائي في الإسلام مقارنا بالقانون الوضعي ص 16و 17 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 59 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عطل فكره تساوى بالأنعام بل كان اضل منها(1)
باختصار شديد لقد نهى الإسلام عن كل ما أمرت به السلفية, من نفي العقل و تقليد للأقدمين دون دليل , و اتباع اعمى لكل ناعق من كهنتها .
كما اقرت الشريعة حرية الإعتقاد (لا اكراه في الدين)، وجاءت بالشورى لتضع الحكام في قالب لا يخرجون عنه " و نستطيع ان نقول ايضا ان النظام الديمقراطي يقوم في الأصل على الشورى و التعاون، ولكنه انتهى بسوء التطبيق الى تسليط المحكومين على الحاكمين، وانعدام التعاون بينهما و ان النظام الديكـتاتوري يقوم في الأصل على السمع و الطاعة و الثقة بين الحاكمين والمحكومين و لكنه انتهى بسوء التطبيق الي تسليط الحاكمين على المحكومين و انعدام الثقة بينهما. اما النظام الإسلامي فيقوم على الشورى والتعاون في مرحلة الإستشارة و على السمع و الطاعة والثقة في مرحلة التنفيذ, و لا تسمح قواعده بتسليط فريق على فريق. و بهذا جمع النظام الإسلامي بين ما ينسب الى الديمقراطية من فضائل، و ما ينسب الى الديكتاتورية من مزايا و محاسن. ثم هو في الوقت نفسه برئء من العيوب التي تنسب للديمقراطية و الديكتاتورية معا "(2)
" و لقد سبقت الشريعة الإسلامية القوانين الوضعية في تقرير مبدأ الشورى باحد عشر قرنا حيث لم تعترف هذه القوانين بمبدأ الشورى الا بعد الثورة الفرنسية، اللهم فيما عدا القانون الأنجليزي فقد عرف مبدأ الشورى في القرن السابع عشر "(3) .
باختصار شديد, يمكن تشبيه شريعتنا الربانية, بمأدبة شهية, تسيل اللعاب بما حفلت به من كل ما لذ و طاب, قد اعدتها العناية الإلهية لتكفي حاجة كلّ البشرية. فكان من عظم البلية وسوء حظ الإنسانية،أن تسللت اليها اليد السلفية,فصبت فوقها ما يقدم للحشرات من مبيدات فحرمت خيرها الغرباء , واهل الدار على السواء. الى ان يشاء الله اماطة ما بثته السلفية من اذى, لتعود مأدبتنا الى سابق عهدها, و عذوبة موردها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (2) و (3) عبد القادر عودة التشريع الجنائي في الإسلام مقارنا بالقانون الوضعي حتى التوالي ص , 41 و 41.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 60 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل
اعتزازي برؤية الإسلام الإقتصادية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عندما اعلن بارنارد شو أن محمدا قادر على حل مشاكل العالم وهو يشرب فنجان قهوة، لم يكن هازلا. وعندما اعلن اشهر اقتصادي انكليزي بعدما اشهر اسلامه ان القرآن الكريم يقدر لوحده على حل معضلات العالم الإقتصادية , لم يكن منساقا وراء عاطفة دينية جياشة، بل كان يدرك تمام الإدراك (وهو من هو في اختصاصه ما كان يقول). و حين دعا احد حكماء الغرب بني جنسه الي العمل بما جاء في القرآن من توصيات قادرة على استنقاذهم مما يعيشون فيه من صعوبات و ازمات، حتى دون الإيمان بمصدره الإلهي، فانه لم يكن يدعو قومه الى اتخاذ آيات ذلك الكتاب رقى يتعوذون بها، و يتحصنون بها من عين الحسود، بل لما لمسه من ارشادات تهدي للتي هي اقوم .
فكما انه لا مجال لعقد أي مقارنة بين الإنسان الآلي المحدود الكفاءة و بين الكائن البشري المعجز التركيب والكفاءة. فكذلك لا مجال للمقارنة بين نظريات اقتصادية بشرية اثبتت فشلها و بين ما طرحه الإسلام من ارشادات يكفل تطبيقها وضع حد للتفاوت الطبقي والظلم الإجتماعي، و للفساد السياسي عبرقطع الطريق على اصحاب رؤوس الأموال و الحيلولة دون استخدام ثرائهم الواسع للتأثير على مسار الإنتخابات (شراء للإصوات او تمويلا لتلك الحملات) .
فعند امعان النظر" نجد كل ما يذكره دعاة النظم الإشتراكية و الراسمالية من مزايا نظمهم نجده موجودا في نظام الإسلام الإقتصادي، و كل ما يوجه النقاد من انتقادات حقيقية غير موجودة في نظام الإسلام الإقتصادي. فنظام الإسلام بريء من كل مساوئها جامع لكل من فضائلها "أو لنقل عن النظام الإقتصادي الإسلامي أنه " على قمة و عن يمينها و يسارها منحدران" (1) .
"فاذا نظرنا الى مزايا الأنظمة الرأسمالية وجدنا أهمها:
الأولى: اطلاق الحافز الفردي، وباطلاق الحافز الفردي تتقدم الصناعة و يزدهر الإقتصاد . و المقدار الخيّر من هذه المزية، متوافر في نظام الإسلام، فهو يطلق في الأفراد الحوافز لبذل قصارى جهدهم في العمل و التحرك المستمر، رغبة في تلبية الفطرة الإنسانية التي تحب الحيازة و التملك ( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة و الخيل المسومة و الأنعام و الحرث )آل عمران 14. و لكن الإسلام هذب هذا الحافز الفردي فخفف من غلوائه وحد من طمع الإنسان و جشعه بما شرع من نظم و بما كلف الإنسان من واجبات.
الثانية: اتاحة المنافـسة بين الأفراد، و بذلك تتقدم الصناعة و يزدهرالإقـتصاد, والمقدار الخيّر من هذه المزية متوافر ايضا في نظام الإسلام، فبينما تتيح النظم الرأسمالية المنافسة من ابواب عريضة نجد الإسلام يتيحها بشكل معتدل لا يسمح فيه باطلاق حرية الفرد اطلاقا يؤدي الى استغلال الآخرين و العدوان على حقوقهم و تقييد حرياتهم وايذائهم بالمضاربة و ألوان الإحتكار و أشباه ذلك مما لا خير فيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عبد الرحمن حبنكة الميداني اجنحة المكر الثلاث .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 61 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الثالثة: اتاحة الحرية اٌقتصادية: فبهذه الحرية تنطلق طاقات الأفراد في مختلف المجالات و يشمل النشاط الإقتصادي كل جوانب التقدم و الإزدهار. و المقدار الخيّر من هذه المزية متوافر في نظام الإسلام، فبينما تتيح النظم الراسمالية الحرية الإقتصادية بشكل قد يؤدي الى الظلم والعدوان، نجد الإسلام يتيحها ضمن الحدود التي وفق فيها بين المصلحة الفردية و مصلحة الجماعة و مصلحة الــدولة الإسلامية واهداف اسس الإسلام الإعتقادية و التشريعية. والحرية الإقتصادية ضمن الحدود الإسلامية تحقق جوانب المصلحة المقصودة منها و تحجزها عن الطغيان المؤدي الى العدوان او اهدار حريات الآخرين او الإفساد في الحياة .
ما يذكرونه من مزايا النظم الإشتراكية:
" و ذكر الباحثون الإقتصاديون عددا من مزايا النظمة الإشتراكية اهمها ما يلي :
الأولى: حيازتها المقومات التي تمكن رعاياها من استخدام الموارد و العوامل الإنتاجية المتاحة لهم افضل استخدام، وهذه الميزة المقدرة للأنظمة الإشتراكية التي ينعدم فيها الحافز الفردي والحرية و المنافسة، هي متوافرة في نظام الإسلام بصورتها المثالية، لأن المجتمع المسلم حينما يعمل على استخدام الموارد و العوامل الإنتاجية يكون مدفوعا بمحركين عظيمين الأول: الواجب الإلهي الذي يامر باعداد المستطاع من القوة والمساهمة في التقدم والإرتقاء العمراني و الحضاري, والثاني الحافز الفردي المتماسك مع الجماعة بقوة الإخاء والحب والتفاني في الإتقان والتحسين. و المتطلع الى اكبر قدر من الربح المأذون به في شريعة الله.
الثانية: تهيئة العمل لجميع افراد المجتمع وهذه المزية متحققة في الإسلام بشكل ارقى مما هي عليه في الأنظمة الإشتراكية و ذلك لأن كل قادر على العمل مكلف به .
ما يذكرونه من مساوىء الأنظمة الرأسمالية:
أولا: اطلاقها الحرية الفردية بشكل يشجع الفرد على اتخاذ كل وسيلة للإستغلال و لو ادى ذلك الى سلب الآخرين حرياتهم سلبا لا يكشفه القانون أولا يحرّمه، و لو ادى ذلك الى الإضرار بالجماعة ثانيا: تشجيعها عل سيادة الغرائز المادية البحتة التي لا تعترف بالقيم الإنسانية البحتة و لذلك نرى كباراصحاب رؤوس الأموال في العالم لا يهتمون بسعادة البشرية الا من خلال حصولهم على اكبر مقدار من الربح و تنمية ثرواتهم.
ثالثا: اتاحتها الفرصة لكبار رؤوس الأموال ان يوجهوا السلطة السياسية الى ما يحقق اغراضهم او يتحكموا بها عن طريق المال ليتمكنوا بذلك من احتكارما يريدون من تجارة او صناعة او علم رابعا: ما يـتولد عنها من الرغبة باستعمار الشعوب واستغلالها وامتصاص خيراتها.
خامسا: اتاحتها الفرصة لأن يكون المال دولة[ متداولا و مقصورا] بين طبقة الأغنياء فقط مع حرمان السواد الأعظم منه.ان هذه المساوىء الموجودة في النظم الراسمالية غير موجودة في نظام الإسلام ووجودها في النظم الراسمالية ناشىء عن البواعث النفسية التي اعتمدت عليها هذه النظم و هي الأنانية الفردية وعدم الشعور بواجب الجماعة. وخلاف نظام الإسلام في كل ذلك فالبواعث فـيه مصلحة الفراد والجماعة، وتحقيق اهداف الدين وهو محصّن بالضــوابط التي تـحدّ من تصرفات الناس و حرياتهم، و تجعلها منحصرة في حدود الخير بعيدة عن الشر و كل اسبابه.
ما يذكرونه من مساوىء الأنظمة الإشـتراكية:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 62 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أولا: محاربتها للفردية بجميع خصائصها و كبتها لحريتها:
ثانيا: تبنيها لفكرة الصراع الطبقي للقائم عل اسس الحقد و الحسد و الكراهية واعلانها نفي الأخوة بين جميع الناس لذلك كان شعارها "يا عمّال العالم اتحدوا" و لم يكن شعارها ( يا ايها الناس).
ثالثا: تبنيها لفكرة العمل على تغيير العالم كله بجـميع انظمته و مبادئه الدينية والخلقية والقانونية
لا على إصلاح الفاسد و اتمام مكارم الأخلاق و اكمال جوانب الصلاح فيه.
رابعا: حضهاعلى الإستهانة بكل القيم الدينية و الإنسانية والأخلاقية في سبيل تحقيق الغايات التي تسعى اليها هذه الأنظمة و تشجيعها على استخدام كل وسيلة غير اخلاقية و غير انسانية في سبيل تحقيق غايات حملة هذه الأنظمة ودعاتها.
خامسا: اتاحتها الفرصة لقيام الوان الحكم الطبقي الحاقد المستبد الذي لا مجال فيه لظهور الحريات السياسية و لإجتماعية.
سادسا: تبنيها لوسيلة التدمير لكل ما هو قائم في المجتمعات عن طريق الأعمال الثورية واحلال روح الثورة و الصراع و الكراهية محل روح الحـب والإخاء والمودة والتراحم.
سابعا: ما يتولد عنها من عقد انسانية تحرم الأفراد من شروط سعادتهم في الحياة اذ تحجزهم عن تلبية رغباتهم الإنسانية و اطلاق خصائصهم البشرية.
ثامنا: اجهازها على الحافز الفردي للإنتاح والعمل، الأمرالذي ينشأ عنه تخفيض الإنتاج العام و زيادة المشكلات الإقتصادية العالمـية تعقيدا . يضاف الى كل ذلك انها قائمة بالأســـاس على معاداة الأديـان و محاربة تعاليمها و نظمها و الأخلاق الكريمة التي تحض عليها حربا لا هوادة فيها الا في حدود المهادنة المرحلية التي تقتضيها الظروف السياسية .
" و هكذا تبينت لنا مساؤى النظم الراسمالية و عيوبها و مساؤى النظم الإشتراكية و عيوبها اما نظام الإسلام فهو بريء من مساؤى و عيوب كل هذه النظم خال من ويلاتها وآثارها الظالمة الآثمة كما أنه مشتمل على محاسن و مزايا كل هذه النظم مضاف اليها فضائل خاصة به اذ يعتمد على الإيمان بالله و اليوم الآخر. و يهدف الى خير الإنسانية و سعادتها، ويامر بالتعاون و التآخي و التوادد و التراحم .. انه ليس في الإسلام طغيان الراسماليات التي تفسح المجال للإفراد و العصابات القليلة المستغلة بالتآمر و المحمية بسلطة القانون ان تعتدي على حقوق الجماعة و تفترس بوسائلها الذكية الماكرة حريات الآخرين حتى تستغل جهدهم و ثمرة كدهم باقل مما يستحقون او تختلس اموالهم بحيل اقتصادية متسترة بالصبغة القانونية... و ليس في نظام الإسلام احتكارات الأنظمة الرأسمالية و لا رباها و لا رشواتها و لا تحكمها بالسلطة و توجيهها لها و لا ظلمها ولا ماديتها المتكالبة على الدنيا ... و ليس في النظام الإسلامي ما في الأنظمة الإشتراكية من سطو على اموال الناس و تطلع الى الغاء الملكية الفرديةـ أو تحديدها ـ و ما فيها من الغاء للحريات و اماتة للحوافز الفردية و حقد طبقي و صراع بين الناس و ما فيها من تقسيم الناس الى سادة حاقدين حاكمين بسلطان القوة واسلوب العنف الشديد، و بيد مسخرين بلقمة العيش و بادنى مستويات مطالب الحياة ... و بهذا تظهر لنا منزلة الإسلام العظمى القابضة على ناصية المجد و التي لا يستطيع ان ينافسه فيها منافس "(462/468 الميداني / أجنحة المكر الثلاث )
و حتى لا تحملنا الأحلام وعلى اجنحتها السحرية، من واقع إسلامي كريه, الي واقع سعيد نكون فيه سادة أنفسنا ثم سادة العالم الرحماء الذين يعيدون للإنسان كرامته واعتباره, لا بد لي ان اذكركم بما قال الكاتب الأمريكي الساخر مارك توين ذات مرة، حيث كتب " لقد منح الله شعبنا ثلاث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عبد الرحمن حبنكة الميداني اجنحة المكر الثلاث 462حتى 468
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 63 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هبات لم يقدرها حق قدرها بعد, وهي حرية الفكر و حرية القول . ثم الإدراك السليم الذي يجعلهم لا يفكرون في استخدام الهبتين السابقتين"! لأخلص بدوري الي القول بان الله سبحانه وتعالى قد اعطى امتنا اسباب الحياة و الريادة و كل مؤهلات الزعامة والقيادة, ولكن كل تلك الهبات كانت كقبض الريح مع حضور سلفي مدمّر يستطيع بقدراته الإعجازية تحويل التبر الي تراب، و العمران الي خراب. فلا أمل في نهضة و لا سبيل الى رقي، ما لم تدحر المنظومة السلفية وأسلحة دمارها الشامل، لتؤسس على انقاضها منظمومة ما قبل سلفية، تعتمد دين الله( لا دين الملك ــ السنّة ــ و لا دين الكاهن ــ الشيعةــ) حيث الحرية و الكرامة والأمن، والأرض العراء من اي دروع سلفية تمكن الإداريين الفاسدين من الإفلات من المحاسبة. ولكم يبدو تدخل الإسلام ضروريا في صياغة حاضر البشرية بعدما اثبت الغرب الهمجي و على راسه امريكا فشله في ادراة شؤون العالم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 64 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم ندخل القرن الواحد و العشرين كما دخلت ذبابة حجرة الملك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على الرغم من الحضيض الذي تستقر فيها امتنا بسبب الجنايات السلفية، ها أنا أثبت في هذا الموضع اعتزازي بالإسلام و ثقتي المطلقة في جدوى مرجعيته وفي قدرته على قلب الأوضاع لصالحه لو فصل عن السنّور السلفي الأجرب (1) الذي يزهد فيه الأبناء قبل الغرباء.
ولأن جعلتنا السلفية في ذيل قائمة الدول، فان اسلامي يرتفع بي عن الظن بان أمتنا دخلت القرن الواحد و العشرين كما دخلت ذبابة الى حجرة الملك (2) بل دخلناه رغم هواننا على الأمم وفي حقيبتنا الدواء الناجع لآلام البشرية لو اراد الله إتقاذها .
و لئن خيل للبعض ان امتنا بصدد التطفل على مائدة الغرب العلمية والتكنولجية فاني أدرك باننا بناة هذه الحضارة وواضعي حجر اساسها(3)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ذات مرة أقسم اعرابي على بيع جمله بدرهم واحد، ثم ندم على قسمه, فوجد من ينصحه بربط سنور ـ قط ـ بجمله ثم بيع الجمل بدرهم و السنور بتسع و تسعين درهما. فكان الناس يتأملون الجمل و السنور، ثم ينصرفون متحسرين و هم يقولون :" ما ارخص الجمل لولا السنور!"... كذلك الشأن بالنسبة لإسلامنا، الذي يبدو في شكل شابة حسناء موثقة الى جيفة كلب ويشترط على من طلب يدها ان يحمل الجيفة معها. مما يزهد الناس فيها و يصرفهم عنها، بسبب ما تلبست به من قاذورات.
(2) حسب تعبير احد المهزومين من ابناء المسلمين .
(3) تحت عنوان " لولا العراقيون لما كان هناك وجود للكمبيوتر أوردت جريدة "الحياة" في مارس 1998 نقلا عن صحيفة علمية تصدر في امريكا ما يأتي نصّه :" نحن نفكر في قصف العراقيين بالقنابل و تحويلهم الى جيلاتين ثم ماذا؟! معظم الناس في الولايات المتحدة لا يعير الموضوع كما يبدو أي اهتمام، فباستثناء بيع النفط لنا و بيع السجاد، لم يفعل لنا هذا البلد أي شيء في كل حال، و لكن لعلمكم( لعل ذلك يغير نمط تفكيركم ) فان صناعة الكومبيوير اليوم لم يكن لها وجود لولا العراقيين " بهذه السطور استهل محرر التكنولوجيا في صحيفة : يو اس أي توداي " تقريره المنشورفي الصفحة الأولى ,بالأسلوب الرشيق المميز لهذه الصحيفة التي تطبع و توزع في جميع البلدان، كتب المحرر: ان الفضل يعود الى فتى اسمه ابو عبد الله بن موسى الخوارزمي الذي عاش الفترة ما بين 770 و 849 ميلادية و مصطلح اللوغاريتم المستخدم في الريلاضيات و علوم الكومبيوتر، و نقل عن العالم و مؤرخ الرياضيات الأمريكي البروفيسور آمر اشيل ان الطريقة المتبعة حاليا في صياغة المعادلات الرياضية، ماخوذة من الخوارزمي، ولولا هذا النوع من المعادلات، لما كان هناك وجود للكمبيوتر أو لبرامجه، لذلك دعا المحرر الأمريكي " كل ما تفرع عن ذلك من رجال اعمال شباب في العشرينات من العمر يملكون ثروات طائلة من الكمبيوتر الإنحناء للعراق بدلا من الإبتهاج بالطائرات الحربية " و يبدو ان كثيرا من نجوم التكنولوجيا يتفقون مع محرر الصحيفة كيفن مانيي الذي يعد بين النجوم بكتبه المشهورة التي ارتقت سلم المبيعات بعض هؤلاء النجوم يملك معلومات جيدة عن الخوارزمي الذي ولد في اوزبكستان في آسيا الوسطى و هاجر و هو طفل مع والديه الى بغداد، حيث بدت عليه ملامح النبوغ المبكر و دعي و هو لا يزال شابا الى ان يصبح مستشار" بيت الحكمة " في بغداد...".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 65 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت
https://abu-dhar-al-ghifari3.blogspot.com/2014/02/blog-post_1583.html